Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-1)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يجوز أن يكون { سورة } خبراً عن مبتدأ مقدر دل عليه ابتداء السورة ، فيقدر هذه سورة . واسم الإشارة المقدر يشير إلى حاضر في السمع وهو الكلام المتتالي ، فكل ما ينزل من هذه السورة وألحق بها من الآيات فهو من المشار إليه باسم الإشارة المقدر . وهذه الإشارة مستعملة في الكلام كثيراً . ويجوز أن تكون { سورة } مبتدأ ويكون قوله { الزانية والزاني } النور 2 إلى آخر السورة خبراً عن { سورة } ويكون الابتداء بكلمة { سورة } ثم أجري عليه من الصفات تشويقاً إلى ما يأتي بعده مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم " كلمتان حبيبتان إلى الرحمان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " وأحسن وجوه التقدير ما كان منساقاً إليه ذهن السامع دون كلفة ، فدع عنك التقادير الأخرى التي جوزوها هنا . ومعنى { سورة } جزء من القرآن معين بمبدأ ونهاية وعدد آيات . وتقدم بيانه في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير . وجملة { أنزلناها } وما عطف عليها في موضع الصفة لــــ { سورة } . والمقصود من تلك الأوصاف التنويه بهذه السورة ليقبل المسلمون بشراشرهم على تلقي ما فيها . وفي ذلك امتنان على الأمة بتحديد أحكام سيرتها في أحوالها . ففي قوله { أنزلناها } تنويه بالسورة بما يدل عليه « أنزلنا » من الإسناد إلى ضمير الجلالة الدال على العناية بها وتشريفها . وعبر بــــ « أنزلنا » عن ابتداء إنزال آياتها بعد أن قدرها الله بعلمه بكلامه النفسي . فالمقصود من إسناد إنزالها إلى الله تعالى تنويه بها . وعبر عن إنزالها بصيغة المضي وإنما هو واقع في الحال باعتبار إرادة إنزالها ، فكأنه قيل أردنا إنزالها وإبلاغها ، فجعل ذلك الاعتناء كالماضي حرصاً عليه . وهذا من استعمال الفعل في معنى إرادة وقوعه كقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } المائدة 6 الآية . والقرينة قوله { وفرضناها } ومعنى { فرضناها } عند المفسرين أوجبنا العمل بما فيها . وإنما يليق هذا التفسير بالنظر إلى معظم هذه السورة لا إلى جميعها فإن منها ما لا يتعلق به عمل كقوله { الله نور السماوات والأرض } النور 35 الآيات وقوله { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } النور 39 . فالذي أختاره أن يكون الفرض هنا بمعنى التعيين والتقدير كقوله تعالى { نصيباً مفروضاً } النساء 7 وقوله { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له } الأحزاب 38 . وتعدية فعل « فرضنا » إلى ضمير السورة من قبيل ما يعبر عنه في مسائل أصول الفقه من إضافة الأحكام إلى الأعيان بإرادة أحوالها ، مثل { حرمت عليكم الميتة } المائدة 3 ، أي أكلها . فالمعنى وفرضنا آياتها . وسنذكر قريباً ما يزيد هذا بياناً عند قوله تعالى { ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات } النور 34 وكيف قوبلت الصفات الثلاث المذكورة هنا بالصفات الثلاث المذكورة هنالك . وقرأ الجمهور { وفرضناها } بتخفيف الراء بصيغة الفعل المجرد . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو { وفرّضناها } بتشديد الراء للمبالغة مثل نزّل المشدّد . ونقل في حواشي « الكشاف » عن الزمخشري قوله @ كأنه عامل في دين سؤدده بسورة أنزلت فيه وفُرّضَتِ @@ وهذان الحكمان وهما الإنزال والفرض ثبتا لجميع السورة . وأما قوله { أنزلنا فيها آيات بينات } فهو تنويه آخر بهذه السورة تنويه بكل آية اشتملت عليها السورة من الهدى إلى التوحيد ، وحقية الإسلام ، ومن حجج وتمثيل ، وما في دلائل صنع الله على سعة قدرته وعلمه وحكمته ، وهي ما أشار إليه قوله { ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين } النور 34 وقوله { ألم تر أن الله يزجي سحاباً } النور 43 إلى قوله { صراط مستقيم } النور 46 . ومن الآيات البينات التي أنزلت فيها إطلاع الله رسوله على دخائل المنافقين مما كتموه في نفوسهم من قوله { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } النور 48 إلى قوله { إن الله خبير بما تعلمون } النور53 فحصل التنويه بمجموع السورة ابتداء والتنويه بكل جزء منها ثانياً . فالآيات جمع آية وهي قطعة من الكلام القرآني دالة على معنى مستقل وتقدم بيانها في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير . فالمراد من الآيات المنزلة في هذه السورة جميع ما اشتملت عليه من الآيات لا آيات مخصوصة من بينها . والمقصود التنويه بآياتها بإجراء وصف { بينات } عليها . وإذا كانت الآيات التي اشتملت السورة على جميعها هي عين السورة لا بعضاً منها إذ ليس ثم شيء غير تلك الآيات حاوٍ لتلك الآيات حقيقة ولا مشبه بما يحوي ، فكان حرف في الموضوع للظرفية مستعملاً في غير ما وضع له لا حقيقة ولا استعارة مصرحة . فتعين أن كلمة { فيها } تؤذن باستعارة مكنية بتشبيه آيات هذه السورة بأعلاق نفسية تكتنز ويحرص على حفظها من الإضاعة والتلاشي كأنها مما يجعل في خزانة ونحوها . ورمز إلى المشبه به بشيء من روادفه وهو حرف الظرفية فيكون حرف في تخييلاً مجرداً وليس باستعارة تخيلية إذ ليس ثم ما يشبه بالخزانة ونحوها ، فوزان هذا التخييل وزان أظفار المنية في قول أبي ذؤيب الهذلي @ وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع @@ وهذه الظرفية شبيهة بالإضافة البيانية مثل قوله تعالى { أُحلت لكم بهيمة الأنعام } المائدة 1 وقوله { أكفاركم خير } القمر 43 فإن الكفار هم عين ضمير الجماعة المخاطبين وهم المشركون . فقوله { وأنزلنا فيها } هو بمعنى وأنزلناها آيات بينات . ووصف { آيات } بــــ { بينات } أي واضحات ، مجاز عقلي لأن البيّن هو معانيها ، وأعيد فعل الإنزال مع إغناء حرف العطف عنه لإظهار مزيد العناية بها . والوجه أن جملة { لعلكم تذكرون } مرتبطة بجملة { أنزلنا فيها آيات بينات } لأن الآيات بهذا المعنى مظنة التذكر ، أي دلائل مظنة لحصول تذكركم . فحصل بهذا الرجاء وصف آخر للسورة هو أنها مبعث تذكر وعظة . والتذكر خطور ما كان منسياً بالذهن وهو هنا مستعار لاكتساب العلم من أدلته اليقينية بجعله كالعلم الحاصل من قبل فنسيه الذهن ، أي العلم الذي شأنه أن يكون معلوماً ، فشبه جهله بالنسيان وشبه علمه بالتذكر . وقرأ الجمهور { تذَّكرون } بتشديد الذال وأصله تتذكرون فأدغم . وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف { تذَكرون } بتخفيف الذال فحذفت إحدى التائين اختصاراً .