Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 4-4)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انتقال من ذكر كفرهم في أفعالهم إلى ذكر كفرهم بأقوالهم الباطلة . والإظهار هنا لإفادة أن مضمون الصلة هو علة قولهم هذا ، أي ما جرأهم على هذا البهتان إلا إشراكهم وتصلبهم فيه ، وليس ذلك لشبهة تبعثهم على هذه المقالة لانتفاء شبهة ذلك ، بخلاف ما حكي آنفاً من كفرهم بالله فإنهم تلقوه من آبائهم ، فالوصف الذي أجري عليهم هنا مناسب لمقالتهم لأنها أصل كفرهم . وهذه الجملة مقابلة جملة { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } الفرقان 1 فهي المقصود من افتتاح الكلام كما آذنت بذلك فاتحة السورة . وإنما أخرت هذه الجملة التي تقابل الجملة الأولى مع أن مقتضى ظاهر المقابلة أن تذكر هذه الجملة قبل جملة { واتخذوا من دونه آلهة } الفرقان 3 اهتماماً بإبطال الكفر المتعلق بصفات الله كما تقدم آنفاً . والقصر المشتمل عليه كلامهم المستفاد من إنْ النافية وإلاّ قصر قلب زعموا به رد دعوى أن القرآن منزل من عند الله . وممن قال هذه المقابلة النضر بن الحارث ، وعبد الله بن أمية ، ونوفل بن خويلد . فإسناد هذا القول إلى جميع الكفار لأنه واقع بين ظهرانيهم وكلهم يتناقلونه . وهذه طريقة مألوفة في نسبة أمر إلى القبيلة كما يقال بنو أسد قتلوا حجراً . واسم الإشارة إلى القرآن حكاية لقولهم حين يسمعون آيات القرآن . والضمير المرفوع في { افتراه } عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم المعلوم من قوله { على عبده } الفرقان 1 . والإفك الكذب . وتقدم عند قوله تعالى { إن الذين جاءو بالإفك } في سورة النور 11 . والافتراء اختلاق الأخبار ، أي ابتكارها وهو الكذب عن عمد ، وتقدم في قوله { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } في سورة العقود 103 . { وأعانه عليه } أي على ما يقوله من القرآن قوم آخرون لقنوه بعض ما يقوله ، وأرادوا بالقوم الآخرين اليهود . روي هذا التفسير عن مجاهد وعن ابن عباس أشاروا إلى عبيد أربعة كانوا للعرب من الفرس وهم عدّاس مولى حويطب بن عبد العزى ، ويسار أبو فكيهة الرومي مولى العلاء بن الحضرمي ، وفي « سيرة ابن هشام » أنه مولى صفوان بن أمية بن محرِّث ، وجبر مولى عامر . وكان هؤلاء من موالي قريش بمكة ممن دانوا بالنصرانية وكانوا يعرفون شيئاً من التوراة والإنجيل ثم أسلموا ، وقد مر ذلك في سورة النحل ، فزعم المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتردد إلى هؤلاء سراً ويستمد منهم أخبار ما في التوراة والإنجيل . والقصر المستفاد من قوله { إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون } متسلط على كلتا الجملتين ، أي لا يخلو هذا القرآن من مجموع الأمرين ، هما أن يكون افترى بعضه من نفسه ، وأعانه قوم على بعضه . وفرع على حكاية قولهم هذا ظهور أنهم ارتكبوا بقولهم ظلماً وزوراً لأنهم حين قالوا ذلك ظهر أن قولهم زور وظلم لأنه اختلاق واعتداء . و { جاءوا } مستعمل في معنى عملوا وهو مجاز في العناية بالعمل والقصد إليه لأن من اهتم بتحصيل شيء مشى إليه ، وبهذا الاستعمال صح تعديته إلى مفعول كما في هذه الآية . والظلم الاعتداء بغير حق بقول أو فعل قال تعالى { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } ص 24 وتقدم في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } في سورة البقرة 114 . والظلم الذي أتوه هو نسبتهم الرسول إلى الاختلاق فإنه اعتداء على حقه الذي هو الصدق . والزور الكذب ، وأحسن ما قيل في الزور إنه الكذب المحسَّن المموَّه بحيث يشتبه بالصدق . وكون قولهم ذلك كذباً ظاهر لمخالفته الواقع فالقرآن ليس فيه شيء من الإفك ، والذين زعموهم معينين عليه لا يستطيع واحد منهم أن يأتي بكلام عربي بالغ غاية البلاغة ومرتق إلى حد الإعجاز ، وإذا كان لبعضهم معرفة ببعض أخبار الرسل فما هي إلا معرفة ضئيلة غير محققة كشأن معرفة العامة والدهماء .