Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 74-74)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه صفة ثالثة للمؤمنين بأنهم يُعْنَون بانتشار الإسلام وتكثير أتباعه فيدْعُون الله أن يرزقهم أزواجاً وذرّيّات تقَرُّ بهم أعينُهم ، فالأزواج يُطعنهم باتباع الإسلام وشرائعه فقد كان بعض أزواج المسلمين مخالفات أزواجهم في الدين ، والذّريات إذا نَشَأوا نشأوا مؤمنين ، وقد جُمع ذلك لهم في صفة { قرة أعين } . فإنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة إذ لا تقَرّ عيون المؤمنين إلاّ بأزواج وأبناء مؤمنين . وقد نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في العصمة بقوله { ولا تُمسِكوا بعِصَم الكوافر } الممتحنة 10 ، وقال { والذي قال لوالدَيه أُف لكما أَتَعِدَانِنِيَ أن أُخرَج } الأحقاف 17 الآية . فمن أجل ذلك جعل دعاؤهم هذا من أسباب جزائهم بالجنة وإن كان فيه حظ لنفوسهم بقُرّة أعينهم إذ لا يناكد حظ النفس حظ الدين في أعمالهم ، كما في قول عبد الله ابن رواحة وهو خارج إلى غزوة مؤتة ، فدعا له المسلمون ولمن معه أن يَردّهم الله سالمين فقال @ لكنني أسأل الرحمٰنَ مغفرة وضربةً ذات فَرْغ تَقِذف الزبَدا أو طعنةً بيديْ حرَّانَ مجهزة بحَرْبة تُنفذ الأحشاءَ والكَبِدا حتى يقولوا إذا مَروا على جَدَثي أرشدَك الله من غَاز وقد رَشَدا @@ فإن في قوله حتى يقولوا ، حظاً لنفسه من حسن الذكر وإن كان فيه دعاء له بالرشد وهو حظّ ديني أيضاً ، وقوله وقد رَشَدَ ، حُسْن ذِكرٍ محض . وفي كتاب « الجامع » من « جَامع العتبية » من أحاديث ابن وهب قال مالك رأيت رجلاً يَسأل ربيعة يقول إني لأُحِبّ أن أُرى رائحاً إلى المسجد ، فكأنه كره من قوله ولم يعجبه أن يحبّ أحدٌ أن يُرى في شيء من أعمال الخير . وقال ابن رشد في « شرحه » وهذا خلاف قول مالك في رسم العُقول من سماع أشهب من كتاب الصلاة إنه لا بأس بذلك إذا كان أولُه لله أي القصد الأول من العمل لله . وقال ابن رشد في موضع آخر من « شرحه » قال الله تعالى { وألقَيْتُ عليك محبةً منّي } طه 39 ، وقال { واجعل لي لسانَ صِدق في الآخرين } الشعراء 84 . وقال الشاطبي في « الموافقات » « عد مالك ذلك من قبيل الوسوسة ، أي أن الشيطان باقي للإنسان إذا سَرّه مرأى الناس له على الخير فيقول لك إنك لَمُراءٍ . وليس كذلك وإنما هو أمر يقع في قلبه لا يُملَك » اهــــ . وفي « المعيار » عن كتاب « سراج المريدين » لأبي بكر بن العربي قال سألت شيخنا أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا } البقرة 160 ما بَيّنوا ؟ قال أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات . قال الشاطبي وهذا الموضع محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعاً لقصد العبادة . وقد التزم الغزالي فيها وفي أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص لكن بشرط أن يصير العمل أخفّ عليه بسبب هذه الأغراض . وأما ابن العربي فذهب إلى خلاف ذلك وكأنَّ مجالَ النظر يلتفت إلى انفكاك القصدين ، على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الانفكاك أَوْجَهُ لما جاء من الأدلة على ذلك ، إلى آخره . و { مِن } في قوله { من أزواجنا } للابتداء ، أي اجعل لنا قُرّة أعْيُن تنشأ من أزواجنا وذرّياتنا . وقرأ الجمهور { وذرياتنا } جمع ذرية ، والجمع مراعى فيه التوزيع على الطوائف من الذين يدعون بذلك ، وإلا فقد يكون لأحد الداعين ولد واحد . وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف و { ذريتنا } بدون ألف بعد التحتية ، ويستفاد معنى الجمع من الإضافة إلى ضمير { الذين يقولون } ، أي ذرية كل واحد . والأعين هي أعين الداعين ، أي قرة أعيُن لنا . وإذ قد كان الدعاء صادراً منهم جميعاً اقتضى ذلك أنهم يريدون قرة أعين جميعهم . وكما سألوا التوفيق والخير لأزواجهم وذرّياتهم سألوا لأنفسهم بعد أن وفقهم الله إلى الإيمان أن يجعلهم قُدوةً يَقتدي بهم المتقّون . وهذا يقتضي أنهم يسألون لأنفسهم بلوغَ الدرجات العظيمة من التقوى فإن القدوة يجب أن يكون بالغاً أقصى غاية العمل الذي يرغب المهتمّون به الكمالَ فيه . وهذا يقتضي أيضاً أنهم يسألون أن يكونوا دعاة للدخول في الإسلام وأن يهتدي الناس إليه بواسطتهم . والإمام أصله المثال والقالب الذي يصنع على شكله مصنوع من مثله ، قال النابغة @ أبوه قبله وأبو أبيه بنَوْا مجدَ الحياة على إمام @@ وأُطلق الإمام على القدوة تشبيهاً بالمثال والقالَب ، وغلب ذلك فصار الإمام بمعنى القدوة . وقد تقدم في قوله تعالى { قال إني جاعلُك للناس إماماً } في سورة البقرة 124 . ووقع الإخبار بـ { إماماً } وهو مفرد عن ضمير جماعة المتكلمين لأن المقصود أن يكون كل واحد منهم إماماً يُقتَدى به ، فالكلام على التوزيع ، أو أريد من إمام معناه الحقيقي وجرى الكلام على التشبيه البليغ . وقيل إمام جمع ، مثل هِجان وصِيام ومفردهُ إمٌّ .