Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 105-110)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ناشىءٌ عن قوله { وما كان أكثرهم مؤمنين } الشعراء 103 أي لا تأسَ عليهم ولا يعظُمْ عليك أنهم كذّبوك فقد كذبت قوم نوح المرسلين وقد علم العرب رسالةَ نوح ، وكذلك شأن أهل العقول الضالّة أنهم يعرفون الأحوال وينسون أسبابها . وأنث الفعل المسند إلى قوم نوح لتأويل { قوم } بمعنى الأمة أو الجماعة كما يقال قالت قريش ، وقالت بنو عامر ، وذلك قياس في كل اسم جَمع لا واحد له من لفظه إذا كان للآدمي مثل نَفَر ورهْط ، فأما إذا كان لغير الآدميين نحو إبل فمؤنث لا غير . قاله الجوهري وتبعه صاحب « اللسان » و « المصباح » . ووقع في « الكشاف » هذه العبارة « القومُ مؤنثة وتصغيرُها قُويمة » فظاهر عبارته أن هذا اللفظ مؤنث المعنى في الاستعمال لا غير ، وهذَا لم يقله غيره وسكت شراحه عليه ولم يعرج الزمخشري عليه في « الأساس » فإن حمل على ظاهر العبارة فهو مخالف لكلام الجوهري وابن سيده . ويحتمل أنه أراد جواز تأنيث قوم وأنه يجوز أن يصغر على قويمة فيُجمع بين كلامه وكلام الجوهري وابن سيده ، وهو احتمال بعيد من ظاهر كلامه الموكَّد بقوله وتصغيره قُويمة ، لما هو مقرر من أن التصغير يرد الأسماء إلى أصولها . وأيّاً مّا كان فهو صريح في أن تأنيثه ليس بتأويله بمعنى الأمة لأن التأويل اعتبار للمتكلم فلا يكون له أثر في إجراء الصيغ مثل التصغير ، فإن الصيغ من آثار الوضع دون الاستعمال ، ألا ترى أنه لا تجعل للمعاني المجازية صيغ خاصة بالمجاز . وجُمع { المرسلين } وإنما كذَّبوا رسولاً واحداً أولَ الرسل ولم يكن قبله رسول وهم أول المكذّبين ، فإنما جُمع لأن تكذيبهم لم يكن لأجل ذاته ولكنه كان لإحالتهم أن يرسل الله بشراً ، وأن تكون عبادة أصنامهم ضلالاً فكان تكذيبهم إياه مقتضياً تكذيب كل رسول لأن كل رسول يقول مثل ما قاله نوح عليه السلام ، ولذلك تكرر في قوله { كذبت عاد المرسلين } الشعراء 123 وما بعده . وقد حكي تكذيبهم أن يكون الرسول بشراً في قوله { أَوَعَجِبْتم أن جاءكم ذِكْر من ربكم على رجل منكم لينذركم } في الأعراف 63 . وسيأتي حكاية تكذيب عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب لَيْكة على هذا النمط فيما تكرر من قوله { كذبت } وقوله { المرسلين } . و { إذ قال } ظرف ، أي كذبوه حين قال لهم { ألا تتقون } فقالوا { أنؤمن لك } الشعراء 111 . ويظهر أن قوله { ألا تتقون } صدر بعد أن دعاهم من قبل وكرّر دعوتهم إذ رآهم مُصرِّين على الكفر ويدل لذلك قولهم في مجاوبته { واتَّبَعَك الأرذلون } الشعراء 111 . وخص بالذكر في هذه السورة هذا الموقف من مواقفه لأنه أنسب بغرض السورة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بذكر مماثل حاله مع قومه . والأخ مستعمل في معنى القريب من القبيلة . وقد تقدم في قوله تعالى { وإلى عاد أخاهم هوداً } في سورة الأعراف 65 . وقوله { ألا تتقون } يجوز أن يكون لفظ { أَلاَ } مركباً من حرفين همزة استفهام دخلت على لاَ النافية ، فهو استفهام عن انتفاء تقواهم مستعمل في الإنكار وهو يقتضي امتناعهم من الامتثال لدعوته . ويجوز أن يكون { أَلاَ } حرفاً واحداً هو حرف التحْضيض مثل قوله تعالى { ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم } التوبة 13 وهو يقتضي تباطؤهم عن تصديقه . والمراد بالتقوى خشية الله من عقابه إياهم على أن جعلوا معه شركاء . وجملة { إني لكم رسول أمين } تعليل للإنكار أو للتحضيض ، أي كيف تستمرون على الشرك وقد نهيتكم عنه وأنا رسول لكم أمينٌ عندكم . وكان نوح موسوماً بالأمانة لا يتهم في قومه كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يلقب الأمين في قريش . قال النابغة @ كذلك كانَ نوحٌ لا يخون @@ وتأكيده بحرف التأكيد مع عدم سبق إنكارهم أمانته لأنه توقَّع حدوث الإنكار فاستدل عليهم بتجربة أمانته قبل تبليغ الرسالة ، فإن الأمانة دليل على صدقه فيما بلَّغهم من رسالة الله ، كما قال هرقل لأبي سفيان وقد سأله هل جربتم عليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم كَذِباً ، فقال أبو سفيان لاَ ونَحْن منه في مدة لا ندري ما فعل فيها . فقال له هرقل بعد ذلك فقد عَلِمتُ أنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله . ففي حكاية استدلال نوح بأمانته بين قومه في هذه القصة المسوقة مثلاً للمشركين في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم تعريض بهم إذ كذبوه بعد أن كانوا يدْعونه الأمين ، ويحتمل أن يراد به أمين من جانب الله على الأمة التي أرسل إليها . والتأكيد أيضاً لتوقع الإنكار منهم . وجملة { وما أسئلكم عليه من أجر } عطف على جملة { إني لكم رسول أمين } أي علمتم أني أمين لكم وتعلمون أني لا أطلب من دعوتكم إلى الإيمان نفعاً لنفسي . وضمير { عليه } عائد إلى معلوم من مقام الدعوة . وقوله { فاتقوا الله وأطيعون } تأكيد لقوله { ألا تتقون } وهو اعتراض بين الجملتين المتعاطفتين . وكرر جملة { فاتقوا الله وأطيعون } لزيادة التأكيد فيكون قد افتتح دعوته بالنهي عن ترك التقوى ثم علل ذلك ثم أعاد ما تقتضيه جملة الاستفتاح ، ثم علل ذلك بقوله { وما أسئلكم عليه من أجر } ، ثم أعاد جملة الدعوة في آخر كلامه إذ قال { فاتقوا الله وأطيعون } مرة ثانية بمنزلة النتيجة للدعوة ولتعليلها . وحذفت الياء من { أطيعون } في الموضعين كما حذفت في قوله { فأخاف أن يَقتلونِ } الشعراء 14 في أوائل السورة . وفي قوله { إنْ أجري إلاّ على رب العالمين } إشارة إلى يوم الجزاء وكانوا ينكرون البعث كما دل عليه قوله في سورة نوح 17 - 18 { والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويُخرجكم إخراجاً } وتقدم ذكر نوح عند قوله تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحاً } في آل عمران 33 .