Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 57-60)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إن جريت على ما فسّر به المفسرون قولَه { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين } الشعراء 53 لزمك أن تجعل الفاء في قوله { فأخرجناهم } لتفريع الخروج على إرسال الحاشرين ، أي ابتدأ بإرسال الحاشرين وأعقب ذلك بخروجه ، فالتعقيب الذي دلت عليه الفاء بحسب ما يناسب المدة التي بين إرسال الحاشرين وبين وصول الأنباء من أطراف المملكة بتعيين طريق بني إسرائيل إذ لا يخرج فرعون بجنده على وجهه ، غير عالم بطريقهم . وضمير النصب عائد إلى فرعون ومن معه مفهوماً من قوله { إنكم متَّبَعون } الشعراء 52 . وإنْ جريت على ما فسرنا به قوله تعالى { فأرسل فرعون } الشعراء 53 ولا إخالك إلا منشرح الصدر لاختيار ذلك ، فلْتَجعَلْ الفاءَ في { فأخرجناهم } تفريعاً على جملة { إنكم متَّبَعون } الشعراء 52 . والتقدير فأسرى موسى ببني إسرائيل فأخرجنا فرعون وجنده من بلادهم في طلب بني إسرائيل فاتَّبعوا بني إسرائيل . وضمير { أخرجناهم } على كل تقدير عائد إلى ما يفهم من المقام ، أي أخرجنا فرعون وجنده . والجنات جنات النخيل التي كانت على ضفاف النيل . والعيون منابع تحفر على خِلجان النيل . والكنوز الأموال المدخرة . والمقام أصله محل القيام أو مصدر قَام . والمعنى على الأول مساكن كريمة ، وعلى الثاني قيامهم في مجتمعهم ، والكريم النفيس في نوعه . وذلك ما كانوا عليه من الأمن والثروة والرفاهية ، كل ذلك تركه فرعون وجنوده الذين خرجوا منه لمطاردة بني إسرائيل لأنهم هلكوا فلم يرجعوا إلى شيء مما تركوا . { كذلك } تقدم الكلام على نظيره عند قوله تعالى { كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْراً } في سورة الكهف 91 . فهو بمنزلة الاعتراض . وجملة { وأورثناها بني إسرائيل } معترضة أيضاً والواو اعتراضية وليست عطفاً لأجزاء القصة لما ستعلمه . والإيراث جعل أحد وارثاً . وأصله إعطاء مال الميت ويطلق على إعطاء ما كان ملكاً لغير المعطَى بفتح الطاء كما قال تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارقَ الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } الأعراف 137 ، أي أورثنا بني إسرائيل أرض الشام ، وقال { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } فاطر 32 . والمعنى أن الله أرزأ أعداء موسى ما كان لهم من نعيم إذ أهلكهم وأعطى بني إسرائيل خيرات مثلها لم تكن لهم ، وليس المراد أنه أعطى بني إسرائيل ما كان بيد فرعون وقومه من الجنات والعيون والكنوز ، لأن بني إسرائيل فارقوا أرض مصر حينئذ وما رجعوا إليها كما يدل عليه قوله في سورة الدخان 28 { كذلك وأورثناها قوماً آخرين } ولا صحة لما يقوله بعض أهل قصص القرآن من أن بني إسرائيل رجعوا فملكوا مصر بعد ذلك ، فإن بني إسرائيل لم يملكوا مصر بعد خروجهم منها سائر الدَّهر فلا محيص من صرف الآية عن ظاهرها إلى تأويل يدل عليه التاريخ ويدل عليه ما في سورة الدخان . فضمير { أورثناها } هنا عائد للأشياء المعدودة باعتبار أنها أسماء أجناس ، أي أورثنا بني إسرائيل جناتٍ وعيوناً وكنوزاً ، فعَود الضمير هنا إلى لفظ مستعمل في الجنس وهو قريب من الاستخدام وأقوى منه ، أي أعطيناهم أشياء ما كانت لهم من قبل وكانت للكنعانيين فسلط الله عليهم بني إسرائيل فغلبوهم على أرض فلسطين والشام . وقد يعود الضمير على اللفظ دون المعنى كما في قولهم عندي درهم ونصفُه ، وقوله تعالى { إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثُها إن لم يكن لها ولد } النساء 176 ، إذ ليس المراد أن المرء الذي هلك يرث أخته التي لها نصف ما ترك بل المراد والمرء يرث أختاً له إن لم يكن لها ولد ، ويجوز أن يكون نصب الضمير لفعل « أورثنا » على معنى التشبيه البليغ ، أي أورثنا أمثَالها . وقيل ضمير { أورثناها } عائد إلى خصوص الكنوز لأن بني إسرائيل استعاروا ليلة خروجهم من جيرانهم المصريين مصوغهم من ذهب وفضة وخرجوا به كما تقدم في سورة طه . ويجوز عندي وجه آخر وهو أن تكون جملة { فأخرجناهم من جنات } إلى قوله { وأورثناها } حكاية لكلام من الله معترض بين كلام فرعون . وضمير { فأخرجناهم } عائد إلى قوم فرعون المفهوم من قوله { في المدائن } الشعراء 53 ، أي فأخرجنا أهل المدائن . وحذف المفعول الثاني لفعل { أورثناها } . والتقدير وأورثناها غيرهم ، ويكون قوله { بني إسرائيل } بياناً لاسم الإشارة في قوله { إن هؤلاء } الشعراء 54 سلك به طريق الإجمال ثم البيان ليقع في أنفس السامعين أمكن وقْع . وجملة { فأتبعوهم مشرقين } مفرعة على جملة { فأخرجناهم } وما بينهما اعتراض . والتقدير فأخرجناهم فأتبعوهم . والضمير المرفوع عائد إلى ما عاد عليه ضمير النصب من قوله { فأخرجناهم } ، وضمير النصب عائد إلى { عبادي } الشعراء 52 من قوله { أن اسْرِ بعبادي } الشعراء 52 . و { أتْبعوهم } بهمزة قطع وسكون التاء بمعنى تَبع ، أي فلحقوهم . و { مشرقين } حال من الضمير المرفوع يجوز أن يكون معناه قاصدين جهة الشرق يقال أشرق ، إذا دخل في أرض الشرق ، كما يقال أنجد وأتهم وأعرق وأشأم ، ويعلم من هذا أن بني إسرائيل توجهوا صوب الشرق وهو صوب بحر القلزم وهو البحر الأحمر وسمي يومئذ بحر سُوف وهو شرقي مصر . ويجوز أن يكون المعنى داخلين في وقت الشروق ، أي أدركوهم عند شروق بعد أن قضوا ليلة أو ليالي مشياً فما بصر بعضهم ببعض إلا عند شروق الشمس بعد ليالي السفر .