Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 16-17)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انتقل من خبر نوح إلى خبر إبراهيم لمناسبة إنجاء إبراهيم من النار كإنجاء نوح من الماء . وفيه تنبيه إلى عظم القدرة إذ أنجت من الماء ومن النار . و { إبراهيم } عطف على { نوحاً } العنكبوت 14 . والتقدير وأرسلنا إبراهيم . و { إذ } ظرف متعلق بــــ أرسلنا المقدَّر ، أي في وقت قوله لقومه { اعبدوا الله } الخ وهو أول زمن دعوته . واقتضى قوله { اعبدوا الله } أنهم لم يكونوا عابدين لله أصلاً . وجملة { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } تعليل للأمر بعبادة الله . وقد أجمل الخبر في هذه الجملة وفُصل بقوله { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً } الآية . ومعنى { إن كنتم تعلمون } إن كنتم تعلمون أدلة اختصاص الله بالإلهية فمفعول العلم محذوف لدلالة ما قبله عليه . ويجوز جعل فعل { تعلمون } منزلاً منزلة اللازم ، أي إن كنتم أهل علم ونظر . وجملة { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } تعليل لجملة { اعبدوا الله } . وقَصْرُهم على عبادة الأوثان يجوز أن يكون قصراً على عبادتهم الأوثان ، أي دون أن يعبدوا الله فهو قصر حقيقي إذ كان قوم إبراهيم لا يعبدون الله فالقصر منصب على قوله { من دون الله } أي إنما تعبدون غير الله وبذلك يكون { من دون الله } حالاً من { أوثاناً } ، أي حال كونها معبودة من دون الله ، وهذا مقابل قوله { اعبدوا الله } دون أن يقول لهم لا تعبدوا إلا الله لكن قوم إبراهيم قد وصفوا بالشرك في قوله تعالى في سورة الأنعام 78 { قال يا قوم إني بريء مما تشركون } فهم مثل مشركي العرب ، فالقصر منصب على عبادتهم الموصوفة بالوثنية ، أي ما تعبدون إلا صُوراً لا إدراك لها ، فيكون قصر قلب لإبطال اعتقادهم إلهية تلك الصور كما قال تعالى { قال أتعبدون ما تنحتون } الصافات 95 . وعلى كلا الوجهين يتخرج معنى قوله { من دون الله } فإن { دون } يجوز أن تكون بمعنى غير فتكون { من } زائدة ، والمعنى تعبدون أوثاناً غير الله . ويجوز أن تكون كلمة { دون } اسماً للمكان المباعد فهي إذن مستعارة لمعنى المخالفة فتكون { من } ابتدائية ، والمعنى تعبدون أوثاناً موصوفة بأنها مخالفة لصفات الله . والأوثان جمع وثن بفتحتين ، وهو صورة من حجر أو خشب مجسمة على صورة إنسان أو حيوان . والوثن أخص من الصنم لأن الصنم يطلق على حجارة غير مصورة مثل أكثر أصنام العرب كصنم ذي الخلصة لخثعم ، وكانت أصنام قوم إبراهيم صوراً قال تعالى { قال أتعبدون ما تنحتون } الصافات 95 . وتقدم وصف أصنامهم في سورة الأنبياء . و { تخلُقون } مضارع خلق الخبر ، أي اختلقه ، أي كذبه ووضعه ، أي وتضعون لها أخباراً ومناقب وأعمالا مكذوبة موهومة . والإفك الكذب . وتقدم في قوله { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } في سورة النور 11 . وجملة { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً } إن كان قوم إبراهيم يعترفون لله تعالى بالإلهية والخلق والرزق ولكنهم يجعلون له شركاء في العبادة ليكونوا لهم شفعاء كحال مشركي العرب تكون الجملة تعليلاً لجملة { اعبدوا الله واتقوه } أي هو المستحق للعبادة التي هي شكر على نعمه ، وإن كان قومه لا يثبتون إلهية لغير أصنامهم كانت جملة { إن الذين تعبدون من دون الله } مستأنفة ابتدائية إبطالاً لاعتقادهم أن آلهتهم ترزقهم ، ويرجح هذا الاحتمال التفريعُ في قوله { فابتغوا عند الله الرزق } . وقد تقدم في سورة الشعراء التردد في حال إشراك قوم إبراهيم وكذلك في سورة الأنبياء . وتنكير { رِزقاً } في سياق النفي يدل على عموم نفي قدرة أصنامهم على كل رزق ولو قليلاً . وتفريع الأمر بابتغاء الرزق من الله إبطال لظنهم الرزق من أصنامهم أو تذكير بأن الرازق هو الله ، فابتغاء الرزق منه يقتضي تخصيصه بالعبادة كما دل عليه عطف { واعبدوه واشكروا له } . وقد سلك إبراهيم مسلك الاستدلال بالنعم الحسية لأن إثباتها أقرب إلى أذهان العموم . و { عند } ظرف مكان وهو مجاز . شبّه طلب الرزق من الله بالبحث عن شيء في مكان يختص به فاستعير له { عند } الدالة على المكان المختص بما يضاف إليه الظرف . وعُدّي الشكر باللام جرياً على أكثر استعماله في كلام العرب لقصد إفادة ما في اللام من معنى الاختصاص أي الاستحقاق . ولام التعريف في { الرزق } لام الجنس المفيدة للاستغراق بمعونة المقام ، أي فاطلبوا كل رزق قلّ أو كثر من الله دون غيره . والمعرّف بلام الجنس في قوة النكرة فكأنه قيل فابتغوا عند الله رزقاً ، ولذلك لم تكن إعادة لفظ الرزق بالتعريف مقتضية كونه غير الأول ، فلا تنطبق هنا قاعدة النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى . وجملة { إليه ترجعون } تعليل للأمر بعبادته وشكره ، أي لأنه الذي يجازي على ذلك ثواباً وعلى ضده عقاباً إذ إلى الله لا إلى غيره مرجعكم بعد الموت . وفي هذا إدماج تعليل بالعبادة بإثبات البعث .