Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 135-135)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن كان عطفَ فريقٍ آخر ، فهم غيرُ المتّقين الكاملين ، بل هم فريق من المتّقين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً ، وإن كان عطفَ صفات ، فهو تفضيل آخر لحال المتَّقين بأن ذُكر أوّلاً حال كمالهم ، وذكر بعده حال تداركهم نقائصهم . والفاحشة الفَعلة المتجاوزة الحدّ في الفساد ، ولذلك جمعت في قوله تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } النجم 32 واشتقاقها من فَحُش بمعنى قال قولاً ذميماً ، كما في قول عائشة « لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحّشاً » ، أو فعلَ فعلاً ذميماً ، ومنه { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } الأعراف 28 . ولا شك أنّ التَّعريف هنا تعريف الجنس ، أي فعلوا الفواحش ، وظلمُ النفس هو الذنوب الكبائر ، وعطفها هنا على الفواحش كعطف الفواحش عليها في قوله { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } النجم 32 . فقيل الفاحشة المعصية الكبيرة ، وظلم النَّفس الكبيرة مطلقاً ، وقيل الفاحشة هي الكبيرة المتعدية إلى الغير ، وظلم النَّفس الكبيرة القاصرة على النَّفس ، وقيل الفاحشة الزنا ، وهذا تفسير على معنى المثال . والذكر في قوله { ذكروا الله } ذكر القلب وهو ذِكر ما يجب لله على عبده ، وما أوصاه به ، وهو الَّذي يتفرّع عنه طلب المغفرة وأمّا ذكر اللّسان فلا يترتّب عليه ذلك . ومعنى ذكر الله هنا ذكر أمره ونهيه ووعده ووعيده . والاستغفار طلب الغَفْر أي الستر للذنوب ، وهو مجاز في عدم المؤاخذة على الذنب ، ولذلك صار يعدّي إلى الذنب باللام الدالة على التَّعليل كما هنا ، وقوله تعالى { واستغفر لذنبك } غافر 55 . ولمَّا كان طلب الصفح عن المؤاخذة بالذنب لا يصدر إلا عن ندامة ، ونية إقلاع عن الذنب ، وعدم العودة إليه ، كان الاستغفار في لسان الشارع بمعنى التوبة ، إذ كيف يطلب العفو عن الذنب من هو مستمرّ عليه ، أو عازم على معاودته ، ولو طلب ذلك في تلك الحالة لكان أكثر إساءة من الذنب ، فلذلك عدّ الاستغفار هنا رتبة من مراتب التَّقوى . وليس الاستغفار مجرّد قول أستغفر الله باللّسان والقائلُ ملتبس بالذنوب . وعن رابعة العدوية أنَّها قالت « استغفارنا يحتاج إلى الاستغفار » وفي كلامها مبالغة فإنّ الاستغفار بالقول مأمور به في الدّين لأنَّه وسيلة لتذكّر الذنب والحيلة للإقلاع عنه . وجملة { ومن يغفر الذنوب إلاّ الله } معترضة بين جملة { فاستغفروا } وجملة { ولم يُصِرُّوا على ما فعلوا } . والاستفهام مستعمل في معنى النَّفي ، بقرينة الاستثناء منه ، والمقصود تسديد مبادرتهم إلى استغفار الله عقب الذنب ، والتعريض بالمشركين الَّذين اتّخذوا أصنامهم شفعاء لهم عند الله ، وبالنَّصارى في زعمهم أنّ عيسى رفع الخطايا عن بني آدم ببلية صَلبه . وقوله { ولم يصروا } إتمام لركْني التَّوبة لأنّ قوله { فاستغفروا لذنوبهم } يشير إلى الندم ، وقوله { ولم يصروا } تصريح بنفي الإصرار ، وهذان ركنا التَّوبة . وفي الحديث " النَّدم توبة " ، وأما تدارك ما فرّط فيه بسبب الذنب فإنَّما يكون مع الإمكان ، وفيه تفصيل إذا تعذّر أو تعسّر ، وكيف يؤخذ بأقصى ما يمكن من التدارك . وقوله { ولم يصروا على ما فعلوا } حال من الضّمير المرفوع في « ذكروا » أي ذكروا الله في حال عدم الإصرار . والإصرار المُقام على الذنب ، ونفيُه هو معنى الإقلاع . وقوله { وهم يعلمون } حال ثانية ، وحذف مفعول يعلمون لظهوره من المقام أي يعلمون سوء فعلهم ، وعظم غضب الربّ ، ووجوبَ التوبة إليه ، وأنَّه تفضّل بقبول التَّوبة فمحا بها الذنوب الواقعة . وقد انتظم من قوله { ذكروا الله فاستغفروا } وقوله { ولم يصروا } وقوله { وهم يعلمون } الأركان الثلاثة الَّتي ينتظم منها معنى التَّوبة في كلام أبي حامد الغزالي في كتاب التَّوبة من « إحياء علوم الدّين » إذ قال « وهي عِلْم ، وحال ، وفعل . فالعلم هو معرفة ضرّ الذنوب ، وكونها حجاباً بين العبد وبين ربِّه ، فإذا علم ذلك بيقين ثار من هذه المعرفة تألّم للقلب بسبب فوات ما يحبّه من القرب من ربِّه ، ورضاه عنه ، وذلك الألم يسمّى ندماً ، فإذا غلب هذا الألم على القلب انبعثت منه في القلب حالة تسمّى إرادة وقصداً إلى فعل له تعلّق بالحال والماضي والمستقبل ، فتعلّقه بالحال هو ترك الذنب الإقلاع ، وتعلّقه بالمستقبل هو العزم على ترك الذنب في المستقبل نفي الإصرار ، وتعلّقه بالماضي بتلافي ما فات » . فقوله تعالى { ذكروا الله } إشارة إلى انفعال القلب . وقوله { ولم يصروا } إشارة إلى الفعل وهو الإقلاع ونفي العزم على العودة . وقوله { وهم يعلمون } إشارة إلى العلم المثير للانفعال النفساني . وقد رتّبت هاته الأركان في الآية بحسب شدّة تعلّقها بالمقصود لأنّ ذكر الله يحصل بعد الذنب ، فيبعث على التَّوبة ، ولذلك رتّب الاستغفار عليه بالفاء ، وأمَّا العلم بأنَّه ذنب ، فهو حاصل من قبل حصول المعصية ، ولولا حصوله لما كانت الفعلة معصية . فلذلك جيء به بعد الذكر ونفي الإصرار ، على أنّ جملة الحال لا تدلّ على ترتيب حصول مضمونها بعد حصول مضمون ما جيء به قبلَها في الأخبار والصّفات . ثُمّ إن كان الإصرار ، وهو الاستمرار على الذنب ، كما فُسِّر به كان نفيه بمعنى الإقلاع لأجل خَشية الله تعالى ، فلم يدلّ على أنَّه عازم على عدم العود إليه ، ولكنَّه بحسب الظاهر لا يرجع إلى ذنب ندِمَ على فعله ، وإن أريد بالإصرار اعتقاد العود إلى الذنب فنفيه هو التَّوبة الخالصة ، وهو يستلزم حصول الإقلاع معه إذ التلبّس بالذنب لا يجتمع مع العزم على عدم العود إليه ، فإنَّه متلبّس به من الآن .