Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 137-137)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف ابتدائي تمهيد لإعادة الكلام على ما كان يوم أحُد ، وما بينهما استطراد ، كما علمت آنفاً ، وهذا مقدّمة التَّسلية والبشارة الآيتين . ابتدئت هاته المقدّمة بحقيقة تاريخية وهي الاعتبار بأحوال الأمم الماضية . وجيء بـ قد ، الدّالة على تأكيد الخبر ، تنزيلاً لهم منزلة من ينكر ذلك لما ظهر عليهم من انكسار الخواطر من جراء الهزيمة الحاصلة لهم من المشركين ، مع أنّهم يقاتلون لنصر دين الله ، وبعد أن ذاقوا حلاوة النَّصر يوم بدر ، فبيّن الله لهم أنّ الله جعل سنّة هذا العامل أن تكون الأحوال فيه سجالاً ومداولة ، وذكّرهم بأحوال الأمم الماضية ، فقال { قد خلت من قبلكم سنن } . والله قادر على نصرهم ، ولكن الحكمة اقتضت ذلك لئلاّ يغترّ من يأتي بعدهم من المسلمين ، فيحسب أنّ النَّصر حليفهم . ومعنى خلت مضت وانقرضت . كقوله تعالى { قد خلت من قبله الرسل } آل عمران 137 . والسنن جمع سنة ـــ وهي السيرة من العمل أو الخلق الذي يلازم المرءُ صدور العمل على مثالها قال لبيد @ من معشر سنَّت لهم آباؤهم ولكُلّ قوم سْنَّة وإمَامُهَا @@ وقال خالد الهذلي يخاطب أبا ذؤيب الهذلي @ فَلاَ تَجْزَعَنْ من سُنّة أنتَ سرْتها فأوّلُ راضٍ سنّةً من يَسيرها @@ وقد تردّد اعتبار أيمّة اللّغة إيّاها اسماً جامداً غير مشتقّ ، أو اسم مصْدر سَنّ ، إذ لم يرد في كلام العرب السَّنُّ بمعنى وضْع السنّة ، وفي « الكشاف » في قوله { سنة اللَّه في الذين خلوا من قبل } في سورة الأحزاب38 سنة الله اسم موضوع موضع المصدر كقولهم تُرْباً وَجَنْدَلاً ، ولعلّ مراده أنَّه اسم جامد أقيم مقام المصدر كما أقيم تُربا وجندلاً مُقام تَبَّاً وسُحْقاً في النصب على المفعولية المطلقة ، الَّتي هي من شأن المصادر ، وأنّ المعنى تراب له وجندل له أي حُصِب بتراب ورُجم بجندل . ويظهر أنَّه مختار صاحب القاموس لأنَّه لم يذكر في مادّة سَنّ ما يقتضي أنّ السنّة اسم مصدر ، ولا أتى بها عقب فعل سَنّ ، ولا ذكر مصدراً لفعل سنّ . وعلى هذا يكون فعل سنّ هو المشتقّ من السنّة اشتقاق الأفعال من الأسماء الجامدة ، وهو اشتقاق نادر . والجاري بكثرة على ألسنة المفسّرين والمعربين أنّ السنّة اسم مصدر سَنّ ولم يذكروا لِفعل سَنّ مصدراً قياسياً . وفي القرآن إطلاق السنّة على هذا المعنى كثيراً { فلن تجد لسنة اللَّه تبديلاً } فاطر 43 وفسّروا السنن هنا بسنن الله في الأمم الماضية . والمعنى قد مضت من قبلكم أحوال للأمم ، جارية على طريقة واحدة ، هى عادة الله في الخلق ، وهي أنّ قوّة الظالمين وعتّوهم على الضعفاء أمر زائل ، والعاقبة للمتّقين المحقّين ، ولذلك قال { فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } أي المكذّبين بِرسل ربّهم وأريد النظر في آثارهم ليحصل منه تحقّق ما بلغ من أخبارهم ، أو السؤال عن أسباب هلاكهم ، وكيف كانوا أولي قوة ، وكيف طغوا على المستضعفين ، فاستأصلهم الله أو لتطمئنّ نفوس المؤمنين بمشاهدة المخبر عنهم مشاهدةَ عيان ، فإنّ للعيان بديع معنى لأنّ بَلَغتهم أخبار المكذّبين ، ومن المكذّبين عاد وثمود وأصحاب الأيكة وأصحاب الرسّ ، وكلّهم في بلاد العرب يستطيعون مشاهدة آثارهم ، وقد شهدها كثير منهم في أسفارهم . وفي الآية دلالة على أهميِّة علم التَّاريخ لأنّ فيه فائدة السير في الأرض ، وهي معرفة أخبار الأوائل ، وأسباب صلاح الأمم وفسادها . قال ابن عرفة « السير في الأرض حسّي ومعنوي ، والمعنوي هو النظر في كتب التَّاريخ بحيث يحصل للنَّاظر العلم بأحوال الأمم ، وما يقرب من العلم ، وقد يحصل به من العلم ما لا يحصل بالسير في الأرض لِعجز الإنسان وقصوره » . وإنَّما أمر الله بالسير في الأرض دون مطالعة الكتب لأنّ في المخاطبين مَن كانوا أمِّيين ، ولأنّ المشاهدة تفيد من لم يقرأ علماً وتقوّي عِلْم من قرأ التَّاريخ أو قصّ عليه .