Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 143-143)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلام ألقي إليهم بإجمال بالغ غاية الإيجاز ، ليكون جامعاً بين الموعظة ، والمعذرة ، والملام ، والواو عاطفة أو حالية . والخطاب للأحياء ، لا محالة ، الَّذين لم يذوقوا الموت ، ولم ينالوا الشهادة ، والَّذين كان حظّهم في ذلك اليوم هو الهزيمة ، فقوله { كنتم تمنّون الموت } أريد به تمنّي لقاء العدوّ يوم أُحُد ، وعدم رضاهم بأن يتحصّنوا بالمدينة ، ويقفوا موقف الدّفاع ، كما أشار به الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ ولكنّهم أظهروا الشجاعة وحبّ اللِّقاء ، ولو كان فيه الموت ، نظراً لقوة العدوّ وكثرته ، فالتمنّي هو تمنّي اللِّقاء ونصر الدّين بأقصى جهدهم ، ولمَّا كان ذلك يقتضي عدم اكتراث كُلّ واحد منهم بتلف نفسه في الدّفاع ، رجاء أن يكون قبل هلاكه قد أبلى في العدوّ ، وهيّأ النَّصر لمن بقي بعده ، جعل تمنّيهم اللِّقاء كأنَّه تمنّي الموت من أوّل الأمر ، تنزيلاً لِغاية التمنّي منزلة مبدئه . وقوله { من قبل أن تلقوه } تعريض بأنَّهم تمنّوا أمراً مع الإغضاء عن شدّته عليهم ، فتمنّيهم إيّاه كتمنّي شيء قد جهلوا ما فيه من المصائب . وقوله { فقد رأيتموه } أي رأيتم الموت ، ومعنى رؤيته مشاهدة أسبابه المحقّقة ، الَّتي رؤيتها كمشاهدة الموت ، فيجوز أن يكون قوله { فقد رأيتموه } تمثيلاً ، ويجوز أن تطلق الرؤية على شدّة التوقّع ، كإطلاق الشمّ على ذلك في قول الحارث بن هشام المخزومي @ وشممتُ ريح الموت من تلقائهم في مأزق والخيل لم تتبدّد @@ وكإطلاقه في قول ابن معد يكرب يوم القادسية فضمّني ضمّة وَجَدْت منها ريحَ الموت . والفاء في قوله { فقد رأيتموه } فاء الفصيحة عن قوله { كنتم تمنون } والتقدير وأجبتم إلى ما تمنّيتم فقد رأيتموه ، أو التقدير فإن كان تمنّيكم حقّاً فقد رأيتموه ، والمعنى فأين بلاء من يتمنّى الموت ، كقول عباس بن الأحنف @ قالُوا خُراسانُ أقصى ما يُراد بنا ثُمّ القُفول فقدْ جِئْنا خُراسانا @@ ومنه قوله تعالى { فقد كذّبوكم بما تقولون } الفرقان 19 وقوله - في سورة الروم 56 { فهذا يوم البعث } وجملة { وأنتم تنظرون } حال مؤكّدة لمعنى { رأيتُموه } ، أو هو تفريع أي رأيتم الموت وكان حظّكم من ذلك النظر ، دون الغَناء في وقت الخطر ، فأنتم مبهوتون . ومحلّ الموعظة من الآية أنّ المرء لا يطلب أمراً حَتَّى يفكِّر في عواقبه ، ويسبر مقدار تحمّله لمصائبه . ومحلّ المعذرة في قوله { من قبل أن تلقوه } وقوله { فقد رأيتموه } ومحلّ الملام في قوله { وأنتم تنظرون } . ويحتمل أن يكون قوله { تمنون الموت } بمعنى تتمنَّوْن موت الشهادة في سبيل الله فقد رأيتم مشارفة الموت إياكم ، وأنتم تنظرون من مات من إخوانكم ، أي فكيف وجدتم أنفسكم حين رأيتم الموت ، وكأنَّه تعريض بهم بأنَّهم ليسوا بمقام من يتمنّى الشهادة . إذ قد جبنوا وقت الحاجة ، وخفّوا إلى الغنيمة ، فالكلام ملام محض على هذا ، وليس تمنّي الشهادة بملوم عليه ، ولكن اللَّوم على تمنّي ما لا يستطيع كما قيل إذا لم تستطع شيئاً فدعه . كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولوددت أنّي أقتل في سبيل الله ، ثُمّ أُحيا ثُمّ أقتل ، ثمّ أحيا ، ثمّ أقْتل " وقال عمر « اللَّهم إنّي أسألك شهادة في سبيلك » وقال ابن رواحة @ لكنّني أسأل الرّحمانَ مغفرة وضربةً ذات فرغ تقذِف الزبدا حتَّى يقولوا إذا مَرّوا على جَدثي أرشدَك الله من غازٍ وقد رشدا @@ وعلى هذا الاحتمال فالضّمير راجع إلى الموت ، بمعنى أسبابه ، تنزيلاً لرؤية أسبابه منزلة رؤيته ، وهو كالاستخدام ، وعندي أنَّه أقرب من الاستخدام لأنَّه عاد إلى أسباب الموت باعتبار تنزيلها منزلة الموت .