Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 149-150)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف ابتدائي للانتقال من التَّوبيخ واللوم والعتاب إلى التَّحذير ، ليتوسّل منه إلى معاودة التسلية ، على ما حصل من الهزيمة ، وفي ضمن ذلك كلّه ، من الحقائق الحكمية والمواعظ الأخلاقية والعبر التَّاريخية ، ما لا يحصيه مريد إحصائه . والطاعة تطلق على امتثال أمْر الآمِر وهو معروف ، وعلى الدخول تحت حكم الغالب ، فيُقال طَاعَت قبيلة كذا وطوّع الجيش بلاد كذا . و { الَّذين كفروا } شائع في اصطلاح القرآن أن يراد به المشركون ، واللفظ صالح بالوضع لكلّ كافر من مشرك وكتابي ، مظهر أو منافق . والردّ على الأعقاب الارتداد ، والانقلاب الرجوع ، وقد تقدّم القول فيهما عند قوله { أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } آل عمران 144 فالظاهر أنَّه أراد من هذا الكلام تحذير المؤمنين من أن يُخامرهم خاطر الدخول في صلح المشركين وأمانهم ، لأنّ في ذلك إظهار الضّعف أمامهم ، والحاجة إليهم ، فإذا مالوا إليهم استدرجوهم رويداً رويداً ، بإظهار عدم كراهية دينهم المخالف لهم ، حتَّى يردّوهم عن دينهم لأنَّهم لن يرضوا عنهم حتَّى يرجعوا إلى ملّتهم ، فالردّ على الأعقاب على هذا يحصل بالإخارة والمآل ، وقد وقعت هذه العبرة في طاعة مسلمي الأندلس لطاغية الجلالقة . وعلى هذا الوجه تكون الآية مشيرة إلى تسفيهِ رأي من قال « لو كلّمنا عبد الله بن أبي يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان » كما يدلّ عليه قوله { بل الله مولاكم } . ويحتمل أن يراد من الطاعة طاعة القول والإشارة ، أي الامتثال ، وذلك قول المنافقين لهم لو كان محمد نبيئاً ما قُتل فارجعوا إلى إخوانكم وملّتكم . ومعنى الردّ على الأعقاب في هذا الوجه أنَّه يحصل مباشرة في حال طاعتهم إيّاهم . وقوله { بل الله مولاكم } إضراب لإبطال ما تضمّنه ما قبله ، فعلى الوحه الأول تظهر المناسبة غاية الظهور ، لأنّ الطاعة على ذلك الوجه هي من قبيل الموالاة والحلف فناسب إبطالها بالتَّذكير بأنّ مولى المؤمنين هو الله تعالى ، ولهذا التَّذكير موقع عظيم وهو أن نقض الولاء والحلف أمر عظيم عند العرب ، فإنّ للولاء عندهم شأناً كشأن النسب ، وهذا معنى قرّره الإسلام في خطبة حجّة الوداع أو فتح مكة « مَن انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين » فكيف إذا كان الولاء ولاء سيد الموالي كلّهم . وعلى الوجه الثَّاني في معنى { إن تطيعوا الَّذين كفروا } تكون المناسبة باعتبار ما في طاعة المنافقين من موالاتهم وترك ولاء الله تعالى . وقوله { وهو خير الناصرين } يقوّي مناسبة الوجه الأول ويزيد إرادته ظهوراً . و { خير النَّاصرين } هو أفضل الموصوفين بالوصف ، فيما يراد منه ، وفي موقعه ، وفائدته ، فالنصر يقصد منه دفع الغلب عن المغلوب ، فمتى كان الدفع أقطع للغالب كان النصر أفضل ، ويقصد منه دفع الظلم فمتى كان النصر قاطعاً لظلم الظالم كان موقعه أفضل ، وفائدته أكمل ، فالنصر لا يخلو من مدحة لأنّ فيه ظهور الشَّجاعة وإباء الضيم والنجدة . قال ودّاك بنُ ثمَيْل المازني @ إذا استنجدوا لمْ يسْألوا من دعاهم لأية حرب أم بأي مكان @@ ولكنّه إذا كان تأييداً لظالم أو قاطع طريق ، كان فيه دَخَل ومذمّة ، فإذا كان إظهاراً لحقِّ المحقّ وإبطالِ الباطل ، استكمل المحمدة ، ولذلك فَسّر النَّبيء صلى الله عليه وسلم نصر الظالم بما يناسب خُلُق الإسلام لمّا قال " " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " فقال بعض القوم هذا أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً ؟ فقال " أنْ تنصره على نفسه فتكفّه عن ظلمه " .