Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-185)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية مرتبطة بأصل الغرض المسوق له الكلام ، وهو تسلية المؤمنين على ما أصابهم يوم أُحُد ، وتفنيد المنافقين في مزَاعمهم أنّ الناس لو استشاروهم في القتال لأشاروا بما فيه سلامتهم فلا يهلكوا ، فبعد أنّ بيّن لهم ما يدفع توهّمهم أنّ الانهزام كان خذلاناً من الله وتعجّبهم منه كيف يلحق قوماً خرجوا لنصر الدين وأن لا سبب للهزيمة بقوله { إنما استزلهم الشيطان } آل عمران 155 ثم بيّن لهم أنّ في تلك الرزّية فوائد بقول الله تعالى { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } آل عمران 153 وقوله { وليعلم المؤمنين } آل عمران 166 ، ثم أمرهم بالتسليم لله في كلّ حال فقال { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } آل عمران 166 وقال { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم } آل عمران 156 الآية . وبيّن لهم أنّ قتلى المؤمنين الذين حزِنوا لهم إنّما هم أحياء ، وأنّ المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم لا يضيع الله أجرهم ولا فَضْلَ ثباتهم ، وبيّن لهم أنّ سلامة الكفّار لا ينبغي أن تُحزن المؤمنين ولا أن تسرّ الكافرين ، وأبطل في خلال ذلك مقال المنافقين بقوله { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } آل عمران 154 وبقوله { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا } آل عمران 168 إلى قوله { قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } آل عمران 168 ختم ذلك كلّه بما هو جامع للغرضين في قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } لأنّ المصيبة والحزن إنّما نشآ على موت من استشهد من خيرة المؤمنين ، يعني أنّ الموت لمّا كان غاية كلّ حيّ فلو لم يموتوا اليوم لماتوا بعدَ ذلك فلا تأسفوا على موت قتلاكم في سبيل الله ، ولا يفتنكم المنافقون بذلك ، ويكون قوله بعده { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } قصر قلب لتنزيل المؤمنين فيما أصابهم من الحزن على قتلاهم وعلى هزيمتهم ، منزلة من لا يترقّب من عمله إلاّ منافع الدنيا وهو النصر والغنيمة ، مع أنّ نهاية الأجر في نعيم الآخرة ، ولذلك قال { توفون أجوركم } أي تكمل لكم ، وفيه تعريض ، بأنّهم قد حصلت لهم أجور عظيمة في الدنيا على تأييدهم للدين منها النصر يوم بدر ، ومنها كفّ أيدي المشركين عنهم في أيام مقامهم بمكّة إلى أن تمكّنوا من الهجرة . والذوق هنا أطلق على وِجدانِ الموت ، تقدّم بيان استعماله عند قوله آنفاً { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } آل عمران 181 وشاع إطلاقه على حصول الموت ، قال تعالى { لا يذوقون فيها الموت } الدخان 56 ويقال ذاق طعم الموت . والتوفية إعطاء الشيء وافياً . ويطلقها الفقهاء على مطلق الإعطاء والتسليم ، والأجور جمع الأجر بمعنى الثواب ، ووجه جمعه مراعاة أنواع الأعمال . ويوم القيامة يومُ الحشر سمّي بذلك لأنّه يقوم فيه الناس من خمود الموت إلى نهوض الحياة . والفاء في قوله { فمن زحزح } للتفريع على { توفون أجوركم } ، ومعنى { زحزح } أبعد . وحقيقةُ فعل زحزح أنها جذبٌ بسرعة ، وهو مضاعف زَحَّه عن المكان إذا جذبه بعجلة . وإنّما جُمع بين { زُحزح عن النار وأدخل الجنة } ، مع أنّ في الثاني غنية عن الأوّل ، للدلالة على أنّ دخول الجنة يشتمل على نعمتين عظيمتين النجاة من النار ، ونعيم الجنّة . ومعنى { فقد فاز } نال مبتغاه من الخير لأنّ ترتّب الفوز على دخول الجنّة والزحزحة عن النار معلوم فلا فائدة في ذكر الشرط إلاّ لهذا . والعرب تعتمد في هذا على القرائن ، فقد يكون الجواب عين الشرط لبيان التحقّق ، نحو قول القائل من عرفني فقد عرفني ، وقد يكون عينه بزيادة قيد نحو قوله تعالى { وإذا مروا باللغو مروا كراما } وقد يكون على معنى بلوغ أقصى غايات نوع الجواب والشرط كما في هذه الآية وقوله { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } على أحد وجهين ، وقول العرب « مَنْ أدرك مَرْعَى الصَّمَّان فقَدْ أدرك » وجميع ما قرّر في الجواب يأتي مثله في الصفة ونحوها كقوله { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } القصص 63 .