Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 30-30)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة مستأنفة ، أصل نظم الكلام فيها تَوَدّ كل نفس لَوْ أنّ بينهَا وَبيْن ما عملت من سوء أمداً بعيداً يومَ تَجِدُ مَا عملت من خير مُحْضراً . فقُدم ظرفها على عامله على طريقة عربية مشهورة الاستعمال في أسماء الزمان ، إذا كانت هي المقصود من الكلام ، قضاء لحق الإيجاز بنسج بديع . ذلك أنّه إذا كان اسم الزمان هو الأهمّ في الغرض المسوق له الكلام ، وكان مع ذلك ظرفاً لشيء من علائقه ، جيء به منصوباً على الظرفية ، وجُعل معنى بعضِ ما يحصل منه مصوغاً في صيغة فعلٍ عامل في ذلك الظرف . أو أصل الكلام يحضر لكلِّ نفس في يوم الإحضار ما عملت من خير وما عملت من سوء ، فتودّ في ذلك اليوم لو أنّ بينها وبين ما عملت من سوء أمداً بعيداً ، أي زماناً متأخّراً ، وأنّه لم يحضر ذلك اليومَ . فالضمير في قوله وبينه على هذا يعود إلى ما عملتْ من سوء ، فحُوِّل التركيب ، وجُعل تودّ هو الناصب ليوم ، ليستغنى بكونه ظرفاً عن كونه فاعلاً . أو يكون أصل الكلام يوم تجد كل نفس ما عملت من خير ومن شرّ محضراً ، تودّ لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم أمداً بعيداً ليكون ضمير بينه عائداً إلى يوم أي تودّ أنّه تأخّر ولم يحضر كقوله { رب لولا أخرتنِي إلى أجل قريب فأصدّق } المنافقون 10 وهذا التحويل من قبيل قول امرىء القيس . @ ويوماً على ظهر الكثيب تعذّرت عليّ وآلت حِلفة لم تُحَلَّل @@ فإنّ مقصده ما حصل في اليوم ، ولكنّه جعل الاهتمام بنفس اليوم ، لأنّه ظرفه . ومنه ما يجيء في القرآن غير مرة ، ويكثر مثل هذا في الجمل المفصول بعضها عن بعض بدون عطف لأنّ الظرف والمجرور يشبهان الروابط ، فالجملة المفصولة إذا صدّرت بواحد منها أكسبها ذلك نوع ارتباط بما قبلها كما في هذه الآية ، وقوله تعالى { وإذ قالت امرأة عمران } آل عمران 35 ونحوهما ، وهذا أحسن الوجوه في نظم هذه الآية وأومأ إليه في « الكشاف » . وقيل منصوب باذكر ، وقيل متعلق بقوله { المصير } وفيه بعد لطول الفصل ، وقيل بقوله ويحذّركم وهو بعيد ، لأنّ التحذير حاصل من وقت نزول الآية ، ولا يحسن أن يجعل عامل الظرف في الآية التي قبل هذه لعدم التئام الكلام حق الالتئام . فعلى الوجه الأول قوله تودّ هو مبدأ الاستئناف ، وعلى الوجوه الأخرى هو جملة حالية من قوله وما عمِلت من سُوء . وقوله { ويحذركم الله نفسه } يجوز أن كون تكريراً للتحذير الأول لِزيادة التأكيد كقول لبيد @ فتنازَعَا سَبِطاً يَطير ظِلاله كدُخان مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرامُها مَشْمُولَةٍ غُلِثت بنابت عَرنَج كدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أسْنَامُها @@ ويجوز أن يكون الأول تحذيراً من موالاة الكافرين ، والثاني تحذيراً من أن يجدوا يوم القيامة ما عملوا من سوء محضراً . والخطاب للمؤمنين ولذلك سمّى الموعظة تحذيراً لأنّ المحذّر لا يكون متلبّساً بالوقوع في الخطر ، فإنّ التحذير تبعيد من الوقوع وليس انتشالاً بعدَ الوقوع وذيّله هنا بقوله { والله رؤوف بالعباد } للتذكير بأنّ هذا التحذير لمصلحة المحذّرين . والتعريف في العباد للاستغراق لأنّ رأفة الله شاملة لكلّ الناس مسلمهم وكافرهم { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة } فاطر 45 { الله لطيف بعباده } الشورى 19 وما وعيدهم إلاّ لجلب صلاحهم ، وما تنفيذه بعد فوات المقصود منه إلاّ لصدق كلماته ، وانتظامِ حكمته سبحانه . ولك أن تجعل أل عوضاً عن المضاف إليه أي بعباده فيكون بشارة للمؤمنين .