Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 21-21)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه آية ثانية فيها عظة وتذكير بنظام الناس العام وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل ، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزاً في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ . وهي آية تنطوي على عدة آيات منها أن جُعل للإنسان ناموس التناسل ، وأن جُعل تناسله بالتزاوج ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه ، وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه ولم يجعلها من صنف آخر لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالف ، وأن جعل في ذلك التزاوج أنساً بين الزوجين ولم يجعله تزاوجاً عنيفاً أو مهلكاً كتزاوج الضفادع ، وأن جعل بين كل زوجين مودة ومحبة فالزوجان يكونان من قبل التزاوج متجاهلين فيصبحان بعد التزاوج متحابين ، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة ، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه من النعم والدلائل جعلت هذه الآية آياتٍ عدة في قوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون . } وهذه الآية كائنة في خلق جوهر الصنفين من الإنسان صنف الذكر ، وصنف الأنثى ، وإيداع نظام الإقبال بينهما في جبلتهما . وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين . وقد أدمج في الاعتبار بهذه الآية امتنان بنعمة في هذه الآية أشار إليها قوله { لكم } أي لأجل نفعكم . و { لقوم يتفكرون } متعلق بــــ { آيات } لما فيه من معنى الدلالة . وجعلت الآيات لقوم يتفكرون لأن التفكر والنظر في تلك الدلائل هو الذي يجلي كنهها ويزيد الناظر بصارة بمنافع أخرى في ضمنها . والذين يتفكرون المؤمنون وأهل الرأي من المشركين الذين يؤمنون بعد نزول هذه الآية . والخطاب في قوله { أن خَلَق لكم } لجميع نوع الإنسان الذكور والإناث . والزوج هو الذي به يصير للواحد ثانٍ فيطلق على امرأة الرجل ورجل المرأة فجعل الله لكل فرد زوجه . ومعنى { من أنفسكم } من نوعكم ، فجميع الأزواج من نوع الناس ، وأما قول تأبط شراً @ وتزوجت في الشبيبة غُولاً بغزال وصدقتي زِقّ خمر @@ فمن تكاذيبهم ، وكذلك ما يزعمه المشعوذون من التزوج بالجنِّيات وما يزعمه أهل الخرافات والروايات من وجود بنات في البحر وأنها قد يتزوج بعض الإنس ببعضها . والسكون هنا مستعار للتأنس وفرح النفس لأن في ذلك زوال اضطراب الوحشة والكمد بالسكون الذي هو زوال اضطراب الجسم كما قالوا اطمأن إلى كذا وانقطع إلى كذا . وضمن { لِتَسْكِنوا } معنى لتميلوا فعدي بحرف إلى وإن كان حقه أن يعلق بــــ عند ونحوها من الظروف . والمودة المحبة ، والرحمة صفة تبعث على حسن المعاملة . وإنما جعل في ذلك آيات كثيرة باعتبار اشتمال ذلك الخلق على دقائق كثيرة متولد بعضها عن بعض يظهرها التأمل والتدبر بحيث يتجمع منها آيات كثيرة . واللام في قوله { لقوم يتفكرون } معناه شبه التمليك وهو معنى أثبته صاحب « مغني اللبيب » ويظهر أنه واسطة بين معنى التمليك ومعنى التعليل . ومثَّله في « المغني » بقوله تعالى { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } النحل 72 وذكر في المعنى العشرين من معاني اللام أن ابن مالك في « كافيته » سماه لام التعدية ولعله يريد تعدية خاصة ، ومثله بقوله تعالى { فهبْ لي من لدنك وليّاً } مريم 5 .