Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 12-13)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على { وإذْ زاغتْ الأبصار } الأحزاب 10 فإن ذلك كله مما ألحَق بالمسلمين ابتلاء فبعضه من حال الحرب وبعضه من أذى المنافقين ، ليحذروا المنافقين فيما يحدث من بعد ، ولئلا يخشوا كيدهم فإن الله يصرفه كما صرف أشدَّه يوم الأحزاب . وقول المنافقين هذا يحتمل أن يكونوا قالوه عَلَناً بين المسلمين قصدوا به إدخال الشك في قلوب المؤمنين لعلهم يردونهم عن دينهم فأوهموا بقولهم { ما وَعَدَنا الله ورسوله } الخ … أنهم ممن يؤمن بالله ورسوله ، فنسبة الغرور إلى الله ورسوله إما على معنى التشبيه البليغ وإما لأنهم بجهلهم يجوزون على الله أن يغرّ عباده ، ويحتمل أنهم قالوا ذلك بين أهل ملتهم فيكون نسبْة الوعد إلى الله ورسوله تهكماً كقول فرعون { إنّ رسولكم الذي أُرْسِل إليكم لمجنون } الشعراء 27 . والغرور ظهور الشيء المكروه في صورة المحبوب ، وقد تقدم عند قوله تعالى { لا يغرنّك تقلُّبُ الذين كفروا في البلاد } في سورة آل عمران 196 ، وقوله تعالى { زُخْرف القول غروراً } في سورة الأنعام 112 . والمعنى أن الله وعدهم النصر فكان الأمر هزيمة وهم يعنون الوعد العام وإلاَّ فإن وقعة الخندق جاءت بغتة ولم يُرْوَ أنهم وُعدوا فيها بنصر . { والذين في قلوبهم مرض } هم الذين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر فأخلصوا يومئذ النفاق وصمّمُوا عليه . والمراد بالطائفة الذين قالوا { يا أهل يثرب لا مقامَ لكم فارجعوا } عبدُ الله بن أبيِّ ابنُ سَلول وأصحابُه . كذا قال السدي . وقال الأكثر هو أوس بن قَيظي أحدُ بني حارثة ، وهو والد عَرابة بن أوس الممدوح بقول الشمّاخ @ رأيت عرابةَ الأوْسيَّ يسمو إلى الخيرات منقطع القرين @@ في جماعة من منافقي قومه . والظاهر هو ما قاله السُدّي لأن عبد الله بن أبَيّ رأس المنافقين ، فهو الذي يدعو أهل يثرب كلّهم . وقوله { لا مقام لكم } قرأه الجمهور بفتح الميم وهو اسم لمكان القيام ، أي الوجود . وقرأه حفص عن عاصم بضم الميم ، أي محلّ الإقامة . والنفي هنا بمعنى نفي المنفعة فلما رأى هذا الفريق قلة جدوى وجودهم جعلها كالعدم ، أي لا فائدة لكم في ذلك ، وهو يروم تخذيل الناس كما فعل يوم أُحُد . و { يثرب } اسم مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو عبيدة يثرب اسم أرض والمدينة في ناحية منها ، أي اسم أرض بما فيها من الحوائط والنخل والمدينة في تلك الأرض . سميت باسم يثرب من العمالقة ، وهو يثرب بن قانية الحفيد الخامس لإرَم بن سام بن نوح . وقد روي عن البراء بن عازب وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تسميتها يثرب وسماها طَابة . وفي قوله { يا أهل يثرب لا مقام لكم } محسِّنٌ بديعيّ ، وهو الاتِزان لأن هذا القول يكون منه مصراع من بحر السريع من عَروضه الثانية المخبُولة المكشوفة إذ صارت مفعولات بمجموع الخبل والكشف إلى فَعَلن فوزنه مستفعلن مستفعلن فَعَلن . والمراد بقوله { فريق منهم } جماعة من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، وليسوا فريقاً من الطائفة المذكورة آنفاً ، بل هؤلاء هم أوس بن قيظي وجمع من عشيرته بني حارثة وكان بنو حارثة أكثرهم مسلمين وفيهم منافقون ، فجاء منافقوهم يعتذرون بأن منازلهم عورة ، أي غير حصينة . وجملة { ويستأذن فريق } عطف على جملة { قالت طائفة } ، وجيء فيها بالفعل المضارع للإشارة إلى أنهم يلِحُّون في الاستئذان ويكررونه ويجددونه . والعورة الثغر بين الجبلين الذي يتمكن العدو أن يتسرب منه إلى الحي ، قال لبيد @ وأجَنَّ عوراتتِ الثغورِ ظَلامُها @@ والاستئذان طلب الإذن وهؤلاء راموا الانخذال واستحيَوا . ولم يذكر المفسرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم . وذكر أهل السير أن ثمانين منهم رجعوا دون إذنه . وهذا يقتضي أنه لم يأذن لهم وإلا لما ظهر تميزهم عن غيرهم ، وأيضاً فإن في الفعل المضارع من قوله { يستأذن } إيماء إلى أنه لم يأذن لهم وستَعلم ذلك ، ومنازل بني حارثة كانت في أقصى المدينة قرب منازل بني سَلِمة فإنهما كانا حيين متلازمين قال تعالى { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } آل عمران 122 هما بنو حارثة وبنو سلمة في غزوة أُحُد . وفي الحديث أن بني سَلِمة راموا أن ينقلوا منازلهم قرب المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم " أي خُطاكم . فهذا الفريق منهم يعتلُّون بأن منازلهم بعيدة عن المدينة وآطامها . والتأكيد بحرف { إنَّ } في قولهم { إن بيوتنا عورة } تمويه لإظهار قولهم { بيوتنا عورة } في صورة الصدق . ولما علموا أنهم كاذبون وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم كذبهم جعلوا تكذيبه إياهم في صورة أنه يشك في صدقهم فأكدوا الخبر . وجملة { وما هي بعورة } الأحزاب 15 إلى قوله { مسؤولا } الأحزاب 15 معترضة بين جملة { يستأذن فريق منهم } الخ وجملة { لن ينفعكم الفرار } الأحزاب 16 الآية . فقوله { وما هي بعورة } تكذيب لهم فإن المدينة كانت محصنة يومئذ بخندق وكان جيش المسلمين حارسها . ولم يقرن هذا التكذيب بمؤكد لإظهار أن كذبهم واضح غير محتاج إلى تأكيد .