Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 18-18)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } . لما كان ما قبل هذه الآية مسوقاً في غرض التهديد وكان الخطاب للناس أريدت طمْأنة المسلمين من عواقب التهديد ، فعقب بأن من لم يأت وزراً لا يناله جزاء الوَازر في الآخرة قال تعالى { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً } مريم 72 . وقد يكون وعداً بالإِنجاء من عذاب الدنيا إذا نزل بالمهدَّدين الإِذهابُ والإِهلاكُ مثلما أهلك فريقَ الكفار يوم بدر وأنجى فريق المؤمنين ، فيكون هذا وعداً خاصاً لا يعارضه قوله تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } الأنفال 25 وما ورد في حديث " أمّ سلمة قالت « يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخُبْث » " فموقع قوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } كموقع قوله تعالى { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين } يوسف 110 . ولهذا فالظاهر أن هذا تأمين للمسلمين من الاستئصال كقوله تعالى { وما كان اللَّه معذبهم وهم يستغفرون } الأنفال 33 بقرينة قوله عقبه { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } وهو تأمين من تعميم العقاب في الآخرة بطريق الأوْلى ويجوز أن يكون المراد ولا تزر وازرة وزر أخرى يوم القيامة ، أي إن يشأ يذهبكم جميعاً ولا يعذب المؤمنين في الآخرة ، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم " ثم يحشرون على نياتهم " والوجه الأول أعم وأحسن . وأيَّامًّا كان فإن قضية { ولا تزر وازرة وزر أخرى } كلية عامة فكيف وقد قال الله تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } في سورة العنكبوت 13 ، فالجمع بين الآيتين أن هذه الآية نفَت أن يحمل أحد وزر آخر لا مشاركةَ له للحامل على اقتراف الوزر ، وأما آية سورة العنكبوت فموردها في زعماء المشركين الذين موّهوا الضلالة وثبتوا عليها ، فإن أول تلك الآية { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتَّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } العنكبوت 12 ، وكانوا يقولون ذلك لكل من يستروحون منه الإِقبال على الإِيمان بالأحرى . وأصل الوِزر بكسر الواو هو الوِقْر بوزنه ومعناه . وهو الحِمل بكسر الحاء ، أي ما يحمل ، ويقال وَزَر إذا حمل . فالمعنى ولا تحمل حاملة حِمل أخرى ، أي لا يحمل الله نفساً حملاً جعله لنفس أخرى عدلاً منه تعالى لأن الله يحب العدل وقد نفى عن شأنه الظلم وإن كان تصرفه إنما هو في مخلوقاته . وجرى وصف الوازرة على التأنيث لأنه أريد به النفس . ووجه اختيار الإِسناد إلى المؤنث بتأويل النفس دون أن يجري الإِضمار على التذكير بتأويل الشخص ، لأن معنى النفس هو المتبادر للأذهان عند ذكر الاكتساب كما في قوله تعالى { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } في سورة الأنعام 164 ، وقوله { كل نفس بما كسبت رهينة } في سورة المدثر 38 ، وغير ذلك من الآيات . ثم نبّه على أن هذا الحكم العادل مطرد مستمر حتى لو استغاثت نفس مثقلة بالأوزار مَن ينتدب لحمل أوزارها أو بعضها لم تجد من يحمل عنها شيئاً ، لئلا يقيس الناس الذين في الدنيا أحوال الآخرة على ما تعارفوه ، فإن العرب تعارفوا النجدة إذا استنجدوا ولو كان لأمر يُضر بالمنجد . ومن أمثالهم " لو دُعي الكريم إلى حتفه لأجاب " ، وقال ودّاك بن ثُمَيْل المازني @ إذا استُنْجدوا لم يَسألوا من دَعاهُم لأَيَّة حرب أم بأي مكان @@ ولذلك سمي طلب الحمل هنا دعاء لأن في الدعاء معنى الاستغاثة . وحذف مفعول { تدع } لقصْد العموم . والتقدير وإن تدع مثقلة أيَّ مدعوّ . وقوله { إلى حملها } متعلق بــــ { تدع } ، وجعل الدعاء إلى الحمل لأن الحمل سبب الدعاء وعلته . فالتقدير وإن تدع مثقلة أحداً إليها لأجل أن يَحمل عنها حملها ، فحذف أحدُ متعلقي الفعل المجرور باللام لدلالة الفعل ومتعلقه المذكور على المحذوف . وهذا إشارة إلى ما سيكون في الآخرة ، أي لو استصرخت نفس مَن يحمل عنها شيئاً من أوزارها ، كما كانوا يزعمون أن أصنامهم تشفع لهم أو غيرهم ، لا تجد من يجيبها لذلك . وقوله { ولو كان ذا قربى } في موضع الحال من { مثقلة } . و { لو } وصلية كالتي في قوله تعالى { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به } في سورة آل عمران 91 . والضمير المستتر في { كان } عائد إلى مفعول { تدع } المحذوف ، إذ تقديره وإن تدع مثقلة أحداً إلى حِملها كما ذكرنا . فيصير التقدير ولو كان المدعوّ ذَا قربى ، فإن العموم الشمولي الذي اقتضته النكرة في سياق الشرط يصير في سياق الإِثبات عموماً بَدَليًّا . ووجه ما اقتضته المبالغة من { لو } الوصلية أن ذا القربى أرق وَأشفق على قريبه ، فقد يُظن أنه يغني عنه في الآخرة بأن يقاسمه الثقل الذي يؤدي به إلى العذاب فيخف عنه العذاب بالاقتسام . والإِطلاق في القربى يشمل قريب القرابة كالأبوين والزوجين كما قال تعالى { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه } عبس 34 ، 35 . وهذا إبطال لاعتقاد الغَناء الذاتي بالتضامن والتحامل فقد كان المشركون يقيسون أمور الآخرة على أمور الدنيا فيعلّلون أنفسهم إذا هُدّدوا بالبعث بأنه إن صح فإن لهم يومئذٍ شفعاء وأنصاراً ، فهذا سياق توجيه هذا إلى المشركين ثم هو بعمومه ينسحب حكمهُ على جميع أهل المحشر ، فلا يحمل أحد عن أحد إثمه . وهذا لا ينافي الشفاعة الواردة في الحديث ، كما تقدم في سورة سبأ ، فإنها إنما تكون بإذن الله تعالى إظهاراً لكرامة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ما جعله الله للمؤمنين من مكفّرات للذنوب كما ورد أن أفراط المؤمنين يشفعون لأمهاتهم ، فتلك شفاعة جعلية جعلها الله كرامة للأمهات المصابة من المؤمنات . { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } . استئناف بياني لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يخطر في نفسه التعجب من عدم تأثر أكثر المشركين بإنذاره فأجيب بإن إنذاره ينتفع به المؤمنون ومن تهيّأوا للإِيمان . وإيراد هذه الآية عقب التي قبلها يؤكد أن المقصد الأول من التي قبلها موعظة المشركين وتخويفهم ، وإبلاغ الحقيقة إليهم لاقتلاع مزاعمهم وأوهامهم في أمر البعث والحساب والجزاء . فأقبل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بالخطاب ليشعر بأن تلك المواعظ لم تُجْدِ فيهم وأنها إنما ينتفع بها المسلمون ، وهو أيضاً يؤكد ما في الآية الأولى من التعريض بتأمين المسلمين بما اقتضاه عموم الإِنذار والوعيد . وأطلق الإِنذار هنا على حصول أثره ، وهو الانكفاف أو التصديق به ، وليس المراد حقيقة الإِنذار ، وهو الإِخبار عن توقع مكروه لأن القرينة صادقة عن المعنى الحقيقي وهي قرينةُ تكرر الإِنذار للمشركين الفيْنَة بعد الفيْنة وما هو ببعيد عن هذه الآية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنذر المشركين طول مدة دعوته ، فتعين أن تعلق الفعل المقصور عليه بــــ { الذين يخشون ربهم بالغيب } تعلّقٌ على معنى حصول أثر الفعل . فالمقصود من القصر أنه قصر قلب لأن المقصود التنبيه على أن لا يظُنّ النبي صلى الله عليه وسلم انتفاع الذين لا يؤمنون بنذارته ، وإن كانت صيغة القصر صالحة لِمعنى القصر الحقيقي لكن اعتبار المقام يعين اعتبار القصر الإِضافي . ونظير هذه الآية قوله في سورة يس 11 { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } وقوله { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } في سورة ق 45 ، مع أن التذكير بالقرآن يعم الناس كلهم . والغيب ما غاب عنك ، أي الذين يخشون ربهم في خلواتهم وعند غيبتهم عن العيان ، أي الذين آمنوا حقاً غير مرائين أحداً . و { أقاموا الصلاة } أي لم يفرطوا في صلاة كما يؤذن به فعل الإِقامة كما تقدم في أول سورة البقرة . ولما كانت هاتان الصفتان من خصائص المسلمين صار المعنى إنما تنذر المؤمنين ، فعُدل عن استحضارهم بأشهر ألقابهم مع ما فيه من الإِيجاز إلى استحضارهم بصلتين مع ما فيهما من الإِطناب ، تذرعاً بذكر هاتين الصّلتين إلى الثناء عليهم بإخلاص الإِيمان في الاعتقاد والعمل . وجملة { ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه } تذييل جار مجرى المثل . وذكر التذييل عقب المذيل يؤذن بأن ما تضمنه المذيَّل داخل في التذييل بادىء ذي بدء مثل دخول سبب العام في عمومه من أول وهلة دون أن يُخص العام به ، فالمعنى أن الذين خَشُوا ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة هم ممّن تزكى فانتفعوا بتزكيتهم ، فالمعنى إنما ينتفع بالنذارة الذين يخشون ربهم بالغيب فأولئك تزكوا بها ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه . والمقصود من القصر في قوله { فإنما يتزكى لنفسه } أن قبولهم النذارة كان لفائدة أنفسهم ، ففيه تعريض بأن الذين لم يعبأوا بنذارته تركوا تزكية أنفسهم بها فكان تركهم ضراً على أنفسهم . وجملة { وإلى الله المصير } تكميل للتذييل ، والتعريف في { المصير } للجنس ، أي المصير كله إلى الله سواء فيه مصير المتزكّي ومصير غير المتزكي ، أي وكل يُجازَى بما يناسبه . وتقديم المجرور في قوله { وإلى الله المصير } للاهتمام للتنبيه على أنه مصير إلى من اقتضى اسمه الجليل الصفات المناسبة لإِقامة العدل وإفاضة الفضل مع الرعاية على الفاصلة .