Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-14)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أعقب وصف إعراضهم وغفلتهم عن الانتفاع بهدي القرآن بتهديدهم بعذاب الدنيا إذ قد جاء في آخر هذه القصة قوله { إن كانت إلا صيحةً واحدةً فإذا هم خامدون } يس 29 . والضرب مجاز مشهور في معنى الوضع والجعل ، ومنه ضرب ختمه . وضربتْ بيتاً ، وهو هنا في الجعل وتقدم عند قوله تعالى { إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً مَّا } في سورة البقرة 26 . والمعنى اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شَبهاً لأهل مكة وإرسالك إليهم . و { لهم } يجوز أن يتعلق بــــ { اضرب } أي اضرب مثلاً لأجلهم ، أي لأجل أن يعتبروا كقوله تعالى { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم } الروم 28 . ويجوز أن يكون { لهم } صفة لــــمثَل ، أي اضرب شبيهاً لهم كقوله تعالى { فلا تضربوا لله الأمثال } النحل 74 . والمثل الشبيه ، فقوله { واضرب لهم مثلاً } معناه ونظّرْ مثلاً ، أي شَبِّه حالهم في تكذيبهم بك بشبيه من السابقين ، ولما غلب المثل في المشابه في الحال وكان الضرب أعم جُعل { مثلاً } مفعولاً لــــ { اضرب } ، أي نظّر حالهم بمشابه فيها فحصل الاختلاف بين { اضرب } ، و { مثلاً } بالاعتبار . وانتصب { مثلاً } على الحال . وانتصب { أصحاب القرية } على البيان لــــ { مثلاً } ، أو بدل ، ويجوز أن يكون مفعولاً أول لــــ { اضرب } و { مثلاً } مفعولاً ثانياً كقوله تعالى { وضرب اللَّه مثلاً قرية } النحل 112 . والمعنى أن حال المشركين من أهل مكة كحال أصحاب القرية الممثل بهم . و { القرية } قال المفسرون عن ابن عباس هي أنطاكية وهي مدينة بالشام متاخمة لبلاد اليونان . والمرسلون إليها قال قتادة هم من الحواريين بعثهم عيسى عليه السلام وكان ذلك حين رُفِع عيسى . وذكروا أسماءهم على اختلاف في ذلك . وتحقيق القصة أن عيسى عليه السلام لم يدْعُ إلى دينه غير بني إسرائيل ولم يكن الدين الذي أرسل به إلا تكملة لما اقتضت الحكمة الإِلهية إكماله من شريعة التوراة ، ولكن عيسى أوصى الحواريين أن لا يغفلوا عن نهي الناس عن عبادة الأصنام فكانوا إذا رأوا رؤيا أو خطر لهم خاطر بالتوجه إلى بلد من بلاد إسرائيل أو مما جاورها ، أو خطر في نفوسهم إلهام بالتوجه إلى بلد علموا أن ذلك وحي من الله لتحقيق وصية عيسى عليه السلام . وكان ذلك في حدود سنة أربعين بعد مولد عيسى عليه السلام . ووقعت اختلافات للمفسرين في تعيين الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أهل أنطاكية وتحريفات في الأسماء ، والذي ينطبق على ما في كتاب أعمال الرسل من كتب العهد الجديد أن برنابا و شاول المدعو بُولس من تلاميذ الحواريين ووُصِفا بأنهما من الأنبياء ، كانا في أنطاكية مرسلَيْن للتعليم ، وأنهما عُززا بالتلميذ سيلا . وذكر المفسرون أن الثالث هو شمعون ، لكن ليس في سفر الأعمال ما يقتضي أن بُولس وبرنابا عزّزا بسمعان . ووقع في الإِصحاح الثالث عشر منه أنه كان نبيء في أنطاكية اسمه سمعان . والمكذبون هم من كانوا سكاناً بأنطاكية من اليهود واليونان ، وليس في أعمال الرسل سوى كلمات مجملة عن التكذيب والمحاورة التي جرت بين المرسلين وبين المرسل إليهم ، فذكر أنه كان هنالك نفر من اليهود يطعنون في صدق دعوة بولس وبرنابا ويثيرون عليهما نساء الذين يؤمنون بعيسى من وجوه المدينة من اليونان وغيرهم ، حتى اضطر بولس وبرنابا إلى أن خرجا من أنطاكية وقصدا أيقونية وما جاورها وقاومهما يهود بعض تلك المدن ، وأن أحبار النصارى في تلك المدائن رأوا أن يعيدون بولس وبرنابا إلى أنطاكية . وبعد عودتهما حصل لهما ما حصل لهما في الأولى وبالخصوص في قضية وجوب الختان على من يدخل في الدين ، فذهب بولس وبرنابا إلى أورشليم لمراجعة الحواريين فرأى أحبار أورشليم أن يؤيدوهما برجلين من الأنبياء هما برسابا و سيلا . فأما برسابا فلم يمكث . وأما سيلا فبقي مع بولس وبرنابا يعظون الناس ، ولعل ذلك كان بوحي من الله إليهم وإلى أصحابهم من الحواريين . فهذا معنى قوله تعالى { إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث } إذ أسند الإرسال والتعزيز إلى الله . والتعزيز التقوية ، وفي هذه المادة معنى جعل المقوَّى عزيزاً فالأحسن أن التعزيز هو النصر . وقرأ أبو بكر عن عاصم { فعززنا } بتخفيف الزاي الأولى ، وفعل عزّ بمعنى يحيي مرادفاً لعزّز كما قالوا شدّ وشدّد . وتأكيد قولهم { إنا إليكم مرسلون } لأجل تكذيبهم إياهم فأكدوا الخبر تأكيداً وسطاً ، ويسمى هذا ضرباً طلبياً . وتقديم المجرور للاهتمام بأمر المرسل إليهم المقصود إيمانهم بعيسى .