Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 27-28)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { الله نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ } الزمر 23 إلى قوله { فَما لهُ مِن هَادٍ } الزمر 23 ، تتمة للتنويه بالقرآن وإرشاده ، وللتعريض بتسفيه أحلام الذين كذّبوا به وأعرضوا عن الاهتداء بهديه . وتأكيد الخبر بلام القسم وحرفِ التحقيق منظور فيه إلى حال الفريق الذين لم يتدبروا القرآن وطعنوا فيه وأنكروا أنه من عند الله . والتعريف في { الناس } للاستغراق ، أي لجميع الناس ، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة . وضَرْب المثل ذِكره ووصفُه ، وقد تقدم في قوله تعالى { إن اللَّه لا يستحيِّ أن يضرب مثلاً } في سورة البقرة 26 . وتنوين { مَثَلٍ } للتعظيم والشرف ، أي من كل أشرف الأمثال ، فالمعنى ذكرنا للناس في القرآن أمثالاً هي بعض من كل أنفع الأمثال وأشرفها . والمراد شرف نفعها . وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه وهي بلاغة أمثاله ، فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال وإصابتها المحزّ من تشبيه الحالة بالحالة . وتقدم هذا عند قوله تعالى { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً } في سورة الإِسراء 89 ، وتقدم في قوله { ولقَد ضَرَبنا للنَّاسِ في هذَا القُرْآنِ مِن كل مَثَلٍ } في سورة الروم 58 . ومعنى الرجاء في { لَعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ } منصرف إلى أن حالهم عند ضرب الأمثال القرآنية كحال من يرجو الناس منه أن يتذكر ، وهذا مِثل نظائر هذا الترجي الواقع في القرآن ، وتقدم في سورة البقرة . ومعنى التذكر التأمل والتدبر لينكشف لهم ما هم غافلون عنه سواء ما سبق لهم به علم فنسُوه وشُغلوا عنه بسفسَافِ الأمور ، وما لم يسبق لهم علم به مما شأنه أن يستبصره الرأي الأصيل حتى إذا انكشف له كان كالشيء الذي سبق له علمه وذهِل عنه ، فمعنى التذكر معنى بديع شامل لهذه الخصائص . وهذا وصفُ القرآن في حدّ ذاته إن صادف عقلاً صافياً ونفساً مجردة عن المكابرة فتذكر به المؤمنون به من قبل ، وتذكّر به من كان التذكّر به سبباً في إيمانه بعد كفره بسرعة أو ببطء ، وأما الذين لم يتذكروا به فإن عدم تذكرهم لنقص في فطرتهم وتغشية العناد لألبابهم . وكذلك معنى قوله { لعلَّهُم يتَّقُونَ } . وانتصب { قُرْءَاناً } على الحال من اسم الإِشارة المبيَّن بالقرآن ، فالحال هنا موطئة لأنها توطئة للنعت في قوله تعالى { قُرْءَاناً عَرَبِيَّاً } وإن كان بظاهر لفظ { قُرْءَاناً } حالاً مؤكدة ولكن العبرة بما بعده ، ولذلك قال الزجاج إن { عَرَبِيَّاً } منصوب على الحال ، أي لأنه نعت للحال . والمقصود من هذه الحال التورك على المشركين حيث تلقوا القرآن تلقيَ من سمع كلاماً لم يفهمه كأنه بلغة غير لغته لا يُعيره بالاً كقوله تعالى { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } الدخان 58 ، مع التحدّي لهم بأنهم عجزوا عن معارضته وهو من لغتهم ، وهو أيضاً ثناء على القرآن من حيث إنه كلام باستقامة ألفاظه لأن اللغة العربية أفصح لغات البشر . والعِوج بكسر العين أريد به اختلال المعاني دون الأعيان ، وأما العَوج بفتح العين فيشملها ، وهذا مختار أيمة اللغة مثل ابن دريد والزمخشري والزجاج والفيروزبادي ، وصحح المرزوقي في « شرح الفصيح » أنهما سواء ، وقد تقدم عند قوله تعالى { ولم يجعل له عوجاً } في سورة الكهف 1 ، وقوله { لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } في سورة طه 107 . وهذا ثناء على القرآن بكمال معانيه بعد أن أثني عليه باستقامة ألفاظه . ووجه العدول عن وصفه بالاستقامة إلى وصفه بانتفاء العوج عنه التوسلُ إلى إيقاع { عِوَجٍ } وهو نكرة في سياق ما هو بمعنى النفي وهو كلمة { غَير } فيفيد انتفاء جنس العِوج على وجه عموم النفي ، أي ليس فيه عوج قط ، ولأن لفظ { عِوَجٍ } مختص باختلال المعاني ، فيكون الكلام نصاً في استقامة معاني القرآن لأن الدلالة على استقامة ألفاظه ونظمه قد استفيدت من وصفه بكونه عربياً كما علمته آنفاً . وقوله { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } مثل قوله { لعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ } ، وذُكر هنا { يَتَّقُونَ } لأنهم إذا تذكروا يسرت عليهم التقوى ، ولأن التذكر أنسب بضرب الأمثال لأن في الأمثال عبرة بأحوال الممثل به فهي مفضية إلى التذكر ، والاتقاء أنسبُ بانتفاء العوج لأنه إذا استقامت معانيه واتضحت كان العمل بما يدعو إليه أيسر وذلك هو التقوى .