Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 39-40)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أبلغهم الله من الموعظة أقصى مَبلغ ، ونصب لهم من الحجج أسطع حجة ، وثبَّت رسوله صلى الله عليه وسلم أرسخ تثبيت ، لا جرم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يوادعهم موادعة مستقرِب النصر ، ويواعدهم ما أُعد لهم من خسر . وعدم عطف جملة { قُل } هذه على جملة { قل حسبي الله } الزمر 38 لدفع توهم أن يكون أمره { قُلْ حسبي الله } لقصد إبلاغه إلى المشركين نظير ترك العطف في البيت المشهور في علم المعاني @ وتظن سلمَى أنني أبغي بها بَدَلاً أَراها في الضلال تَهيم @@ لم يعطف جملة أراها في الضلال ، لئلا يتوهم أنها معطوفة على جملة أبغي بها بدلاً ، ولأنها انتقال من غرض الدعوة والمحاجّة إلى غرض التهديد . وابتدأ المقول بالنداء بوصف القوم لما يشعر به من الترقيق لحالهم والأسف على ضلالهم لأن كونهم قومه يقتضي أن لا يدخرهم نصحاً . والمكانة المكان ، وتأنيثه روعي فيه معنى البقعة ، استعير للحالة المحيطة بصاحبها إحاطة المكان بالكائن فيه . والمعنى اعملوا على طريقتكم وحالكم من عداوتي ، وتقدم نظيره في سورة الأنعام 135 . وقرأ الجمهور { مكانتكم } بصيغة المفرد . وقرأ أبو بكر عن عاصم { مكاناتكم } بصيغة الجمع بألف وتاء . وقال تعالى هنا { مَن يأتيه عذابٌ يخزيه } ليكون التهديد بعذاب خزي في الدنيا وعذاب مقيم في الآخرة . فأما قوله في سورة الأنعام 135 { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } فلم يذكر فيها العذاب لأنها جاءت بعد تهديدهم بقوله { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } الأنعام 134 . وحذف متعلِّق { إني عٰمِلٌ } ليَعمّ كل متعلِّق يصلح أن يتعلق بــــ { عٰمِل } مع الاختصار فإن مقابلته بقوله { اعملوا على مكانتكم } يدل على أنه أراد من { إني عٰمِل } أنه ثابت على عمله في نصحهم ودعوتهم إلى ما ينجيهم . وأن حذف ذلك مشعر بأنه لا يقتصر على مقدار مكانته وحالته بل حالة تزداد كل حين قوةً وشدة لا يعتريها تقصير ولا يثبطها إعراضهم ، وهذا من مستتبعات الحذف ولم ننبه عليه في سورة الأنعام وفي سورة هود . و { مَن } استفهامية عَلَّقت فعل { تَعْلَمُون } عن العمل في مفعوليه . والعذاب المُخزي هو عذاب الدنيا . والمراد به هنا عذاب السيف يوم بدر . والعذاب المقيم هو عذاب الآخرة ، وإقامته خلوده . وتنوين { عَذَابٌ } في الموضعين للتعظيم المراد به التهويل . وأسند فعل { يأتِيهِ } إلى العذاب المخْزي لأن الإِتيان مشعر بأنه يفاجئهم كما يأتي الطارق . وكذلك إسناد فعل { يَحل } إلى العذاب المقيممِ لأن الحلول مشعر بالملازمة والإِقامة معهم ، وهو عذاب الخلود ، ولذلك يسمى منزل القول حِلة ، ويقال للقوم القاطنين غير المسافرين هم حِلال ، فكان الفعل مناسباً لوصفه بالمقيم . وتعدية فعل { يحل } بحرف على للدلالة على تمكنه .