Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-8)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } هذا مثال لتقلب المشركين بين إشراكهم مع الله غيره في العبادة ، وبين إظهار احتياجهم إليه ، فذلك عنوان على مبلغ كفرهم وأقصاه . والجملة معطوفة على جملة { ذٰلِكُم الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ } الزمر 6 الآية لاشتراك الجملتين في الدلالة على أن الله منفرد بالتصرف مستوجب للشكر ، وعلى أن الكفر به قبيح ، وتَتَضمن الاستدلال على وحدانية إلٰهية بدليل من أحوال المشركين به فإنهم إذا مسهم الضر لجأوا إليه وحده ، وإذا أصابتهم نعمة أعرضوا عن شكره وجعلوا له شركاء . فالتعريف في { الإنْسَانَ } تعريف الجنس ولكن عمومه هنا عموم عرفي لفريق من الإِنسان وهم أهل الشرك خاصة لأن قوله { وجَعَلَ لله أندَاداً } لا يتفق مع حال المؤمنين . والقول بأن المراد انسان معيّن وأنه عتبة بن ربيعة ، أو أبو جهل ، خروج عن مهيع الكلام ، وإنما هذان وأمثالهما من جملة هذا الجنس . وذكر الإِنسان إظهار في مقام الإِضمار لأن المقصود به المخاطبون بقوله { خلقكم من نفس واحدة } الزمر 6 إلى قوله { فَيُنَبِئكم بما كُنتمُ تَعْمَلُون } الزمر 7 ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال وإذا مسكم الضر دعوتم ربكم الخ ، فعدل إلى الإِظهار لما في معنى الإِنسان من مراعاة ما في الإِنسانية من التقلب والاضطراب إلا من عصمه الله بالتوفيق كقوله تعالى { ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حياً } مريم 66 ، وقوله { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه } القيامة 3 وغير ذلك ولأن في اسم الإِنسان مناسبة مع النسيان الآتي في قوله { نسي ما كان يدعو إليه من قبل } . وتقدم نظير لهذه الآية في قوله { وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه } في سورة الروم 33 . والتخويل الإِعطاء والتمليك دون قصد عوض . وعينُه واو لا محالة . وهو مشتق من الخَوَل بفتحتين وهو اسم للعبيد والخدم ، ولا التفات إلى فعل خال بمعنى افتخر ، فتلك مادة أخرى غير ما اشتق منه فعل خَوَّل . والنسيان ذهول الحافظة عن الأمر المعلوم سابقاً . ومَا صْدَق { ما } في قوله { مَا كَانَ يَدْعُوا إلَيْهِ مِن قَبْلُ } هو الضر ، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إليه ، أي إلى كشفه عنه ، ومفعول { يَدْعُوا } محذوف دل عليه قوله { دَعَا رَبَّهُ } ، وضمير { إلَيْهِ } عائد إلى { ما } ، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إليه ، أي إلى كشفه . ويجوز أن يكون { ما } صادقاً على الدعاء كما تدل عليه الصلة ويكون الضمير المجرور بــــ إلى عائداً إلى { رَبَّهُ } ، أي نسي الدعاء ، وضُمّن الدعاء معنى الابتهال والتضرع فعُدي بحرف إلى . وعائد الصلة محذوف دل عليه فعل الصلة تفادياً من تكرر الضمائر . والمعنى نسي عبادة الله والابتهال إليه . والأنداد جمع نِدّ بكسر النون ، وهو الكفء ، أي وزاد على نسيان ربه فجعل له شركاء . واللام في قوله { لّيُضِلَّ عن سبيلِهِ } لام العاقبة ، أي لام التعليل المجازي لأن الإِضلال لما كان نتيجة الجعل جاز تعليل الجعل به كأنه هو العلة للجاعل . والمعنى وجعل لله أنداداً فَضل عن سبيل الله . وقرأ الجمهور { لّيُضِلَّ } بضم الياء ، أي ليضل الناس بعد أن أضل نفسه إذ لا يضل الناس إلا ضَالّ . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بفتح الياء ، أي ليَضل هو ، أي الجاعل وهو إذا ضلّ أضل الناس . { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ النار } . استئناف بياني لأن ذكر حالة الإِنسان الكافر المعرض عن شكر ربه يثير وصفها سؤال السامع عن عاقبة هذا الكافر ، أي قل يا محمد للإِنسان الذي جعل لله أنداداً ، أي قل لكل واحد من ذلك الجنس ، أو روعي في الإِفراد لفظُ الإِنسان . والتقدير قل تمتعوا بكفركم قليلاً إنكم من أصحاب النار . وعلى مثل هذين الاعتبارين جاء إفراد كاف الخطاب بعد الخبر عن الإِنسان في قوله تعالى { يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر } في سورة القيامة10 - 12 . والتمتع الانتفاع الموقّت ، وقد تقدم عند قوله تعالى { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } في سورةالأعراف 24 . والباء في { بِكُفْرِكَ } ظرفية أو للملابسة وليست لتعدية فعل التمتع . ومتعلِّق التمتع محذوف دل عليه سياق التهديد . والتقدير تمتع بالسلامة من العذاب في زمن كفرك أو متكسباً بكفرك تمتعاً قليلاً فأنت آئل إلى العذاب لأنك من أصحاب النار . ووصف التمتع بالقليل لأن مدة الحياة الدنيا قليل بالنسبة إلى العذاب في الآخرة ، وهذا كقوله تعالى { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } التوبة 38 . وصيغة الأمر في قوله { تَمَتَّعْ } مستعملة في الإِمهال المراد منه الإِنذار والوعيد . وجملة { إنَّكَ من أصْحٰببِ النَّارِ } بيان للمقصود من جملة { تَمَتَّع بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } وهو الإِنذار بالمصير إلى النار بعد مدة الحياة . و { من } للتبعيض لأن المشركين بعض الأمم والطوائف المحكوم عليها بالخلود في النار . وأصحاب النار هم الذين لا يفارقونها فإن الصحبة تشعر بالملازمة ، فأصحاب النار المخلّدون فيها .