Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 125-126)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأظهر أنّ الواو للحال من ضمير { يدخلون الجنّة } النساء 124 الذي ما صْدَقُه المؤمنون الصالحون ، فلما ذكر ثواب المؤمنين أعقبه بتفضيل دينهم . والاستفهامُ إنكاري . وانتصب { دينا } على التمييز . وإسلام الوجه كناية عن تمام الطاعة والاعتراف بالعبودية ، وهو أحسن الكنايات ، لأنّ الوجه أشرف الأعضاء ، وفيه ما كان به الإنسان إنساناً ، وفي القرآن { فقُل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعني } آل عمران 20 . والعرب تذكر أشياء من هذا القبيل كقوله { لنسفعن بالناصية } العلق 15 ، ويقولون أخذ بساقه ، أي تمكن منه ، وكأنّه تمثيل لإمساك الرعاة الأنعام . وفي الحديث " الطلاق لمن أخذ بالساق " ويقولون ألقى إليه القياد ، وألقى إليه الزمام ، وقال زيد بن عمرو بن نفيل @ يَقُولُ أنفي لكَ عَانٍ رَاغِم @@ ويقولون يدي رهن لفلان . وأراد بإسلام الوجه الاعتراف بوجود الله ووحدانيته . وقد تقدّم ما فيه بيان لهذا عنا ، قوله تعالى { إنّ الدين عند الله الإسلام } آل عمران 19 وقوله { وأوصى بها إبراهيم بنيه } البقرة 132 . وجملة « وهو محسن » حال قصد منها اتّصافه بالإحسان حين إسلامه وجهَه لله ، أي خلع الشرك قاصداً الإحسان ، أي راغباً في الإسلام لِمَا رأى فيه من الدعوة إلى الإحسان . ومعنى { واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } أنه اتّبع شريعة الإسلام التي هي على أُسس ملّة إبراهيم . فهذه ثلاثة أوصاف بها يكمل معنى الدخول في الإسلام ، ولعلّها هي الإيمان ، والإحسان ، والإسلام . ولك أن تجعل معنى { أسلم وجهه لله } أنّه دخل في الإسلام ، وأنّ قوله { وهو محسن } مخلص راغب في الخير ، وأنّ اتّباع ملّة إبراهيم عني به التوحيد . وتقدّم أنّ { حنيفاً } معناه مائلاً عن الشرك أو متعبّداً . وإذا جعلت معنى قوله { وهو محسن } أي عامل الصالحات كان قوله { واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } بمنزلة عطف المرادف وهو بعيد . وقوله { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } عطف ثناء إبراهيم على مدح من اتّبع دينه زيادة تنويه بدين إبراهيم ، فأخبر أنّ الله اتّخذ إبراهيم خليلاً . والخليل في كلام العرب الصاحب الملازم الذي لا يخفى عنه شيء من أمور صاحبه ، مشتقّ من الخِلال ، وهو النواحي المتخلّلة للمكان { فترى الودق يخرج من خلاله } النور 43 { فجّرنا خلالهما نهرا } الكهف 33 . هذا أظهر الوجوه في اشتقاق الخليل . ويقال خِلّ وخُلّ ــــ بكسر الخاء وضمّها ــــ ومؤنّثهُ خُلّة ــــ بضمّ الخاء ــــ ، ولا يقال ــــ بكسر الخاء ــــ ، قال كعب @ أكرم بها خُلَّةً لو أنَّها صدقت @@ وجمعها خلائل . وتطلق الخلّة ــــ بضمّ الخاء ــــ على الصحبة الخالصة { لا بيع فيه ولا خُلّة ولا شفاعة } البقرة 254 ، وجمعها خِلال { مِنْ قَبْلِ أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال } إبراهيم 31 . ومعنى اتُخاذ الله إبراهيم خليلاً شدّة رِضَى اللَّهِ عنه ، إذ قد علم كلّ أحد أنّ الخلّة الحقيقية تستحِيل على الله فأريد لوازمها وهي الرضى ، واستجابة الدعوة ، وذكره بخير ، ونحو ذلك . وجملة { ولله ما في السموات وما في الأرض } الخ تذييل جعل كالاحتراس ، على أنّ المراد بالخليل لازم معنى الخلّة ، وليست هي كخلّة الناس مقتضية المساواة أو التفضيل ، فالمراد منها الكناية عن عبودية إبراهيم في جملة { ما في السموات وما في الأرض } . والمحيط العليم .