Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 166-166)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا استدراك على معنًى أثارهُ الكلام لأنّ ما تقدّم من قوله { يسألك أهل الكتاب } النساء 153 مسوق مساق بيان تعنّتهم ومكابرتهم عن أن يشهدوا بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحّة نسبة القرآن إلى الله تعالى ، فكان هذا المعنى يستلزم أنَّهم يأبون من الشهادة بصدق الرسول ، وأنّ ذلك يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء الاستدراك بقوله { لكن الله يشهد } . فإنّ الاستدراك تعقيب الكلام برفع ما يُتوهَّم ثبوتُه أو نفيُه . والمعنى لم يشهد أهلُ الكتاب لكن الله شهد وشهادة الله خير من شهادتهم . وقد مضى عند قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } في سورة البقرة 282 ، أنّ حقيقة الشهادة إخبار لتصديق مخبر ، وتكذيب مخبر آخر . وتقدّم أنّها تطلق على الخبر المحقّق الذي لا يتطرّقه الشكّ عند قوله تعالى { شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو } في سورة آل عمران 18 . فالشهادة في قوله { لكن الله يشهد } أطلقت على الإخبار بنزول القرآن من الله إطلاقاً مجازياً ، لأنّ هذا الخبر تضمّن تصديق الرسول وتكذيب معانديه ، وهو إطلاق على وجه الاستعارة من الإطلاق الحقيقي هو غير الإطلاق الذي في قوله { شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو } آل عمران 18 فإنّه على طريقة المجاز المرسل . وعطف شهادة الملائكة على شهادة الله لزيادة تقرير هذه الشهادة بتعدّد الشهود ، ولأنّ شهادة الله مجاز في العلم وشهادة الملائكة حقيقة . وإظهار فعل { يشهدون } مع وجود حرف العطف للتّأكيد . وحَرف لكنْ بسكون النون مخفّف لكنَّ المشدّدة النون التي هي من أخوات إنّ وإذا خفّفت بطل عملها . وقَوله { وكفى بالله شهيداً } يَجري على الاحتمالين . وقوله { بما أنزل إليك أنزله بعلمه } وقع تحويل في تركيب الجملة لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ، ليكون أوقع في النفس . وأصل الكلام يشهد بإنزال ما أنزله إليك بعلمه لأنّ قوله { بما أنزل إليك } لم يُفد المشهود به إلاّ ضمناً مع المشهود فيه إذ جيء باسم الموصول ليوصل بصلة فيها إيماء إلى المقصود ، ومع ذلك لم يذكر المقصود من الشهادة الذي هو حقّ مدخوللِ الباء بعد مادّة شهد ، فتكون جملة { أنزله بعلمه } مكمّلة معنى الشهادة . وهذا قريب من التحويل الذي يستعمله العرب في تمييز النسبة . وقال الزمخشري « موقع قوله { أنزله بعلمه } من قوله { لكن الله يشهد بما أنزل إليك } موقع الجملة المفسّرة لأنّه بيان للشهادة وأنّ شهادته بصحّته أنّه أنزله بالنظم المعجز » . فلعلّه يجعل جملة { لكن الله يشهد بما أنزل إليك } مستقلة بالفائدة ، وأنّ معنى { بما أنزل إليك } بصحّة ما أنزل إليك ، وما ذكرتُه أعرق في البلاغة . ومعنى { أنزله بعلمه } أي متلبّساً بعلمه ، أي بالغاً الغاية في باب الكتب السماوية ، شأن ما يكون بعلم من الله تعالى ، ومعنى ذلك أنّه معجز لفظاً ومعنى ، فكما أعجز البلغاء من أهل اللّسان أعجز العلماءَ من أهل الحقائق العالية . والباء في قوله { وكفَى بالله شهيداً } زائدة للتَّأكيد ، وأصله كفى الله شهيداً كقوله @ كفَى الشيبُ والإسلام للمرء ناهياً @@ أو يضمّن كفى معنى اقتنِعوا ، فتكون الباء للتعدية .