Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 172-173)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف واقع موقع تحقيق جملة { له ما في السماوات وما في الأرض } النساء 171 أو موقع الاستدلال على ما تضمّنته جملة { سبحانه أن يكون له ولد } النساء 171 . والاستنكاف التكبّر والامتناع بأنفة ، فهو أشد من الاستكبار ، ونفي استنكاف المسيح إمّا إخبار عن اعتراف عيسى بأنّه عبد الله ، وإمّا احتجاج على النّصارى بما يوجد في أناجيلهم . قال الله تعالى حكاية عنه { قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب } مريم 30 إلخ . وفي نصوص الإنجيل كثير ممّا يدلّ على أنّ المسيح عبد الله وأنّ الله إلهُه وربّه ، كما في مجادلته مع إبليس ، فقد قال له المسيح « للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد » . وعُدل عن طريق الإضافة في قوله { عبداً لِلّه } فأظهر الحرف الّذي تقدّر الإضافة عليه لأنّ التنكير هنا أظهر في العبودية ، أي عبداً من جملة العبيد ، ولو قال عبدَ اللّهِ لأوهمت الإضافة أنّه العبد الخِصّيص ، أو أنّ ذلك علَم له . وأمّا ما حكى الله عن عيسى ـــ عليه السلام ـــ في قوله { قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب } مريم 30 فلأنّه لم يكن في مقام خطاب من ادّعوا له الإلهية . وعطف الملائكة على المسيح مع أنّه لم يتقدّم ذِكْر لمزاعم المشركين بأنّ الملائكة بنات الله حتّى يتعرّض لردّ ذلك ، إدماج لقصد استقصاء كلّ من ادعيت له بنوة الله ، ليشمله الخبر بنفي استنكافه عن أن يكون عبداً لله ، إذ قد تقدّم قبله قوله { سبحانه أن يكون له ولد } النساء 171 ، وقد قالت العرب إنّ الملائكة بنات الله من نساء الجنّ ، ولأنَّه قد تقدّم أيضاً قوله { له ما في السماوات وما في الأرض } النساء 171 ، ومِنْ أفضل ما في السماوات الملائكة ، فذكروا هنا للدلالة على اعترافهم بالعبوديّة . وإن جعلتَ قوله { لن يستنكف المسيح } استدلالاً على ما تضمّنه قوله { سبحانَه أن يكون له ولد } النساء 171 كان عطف { ولا الملائكة المقرّبون } محتمِلاً للتتميم كقوله { الرحمٰن الرحيم } الفاتحة 3 فلا دلالة فيه على تفضيل الملائكة على المسيح ، ولا على العكس ومحتملاً للترقّي إلى ما هو الأولى بعكس الحكم في أوهام المخاطبين ، وإلى هذا الأخير مال صاحب « الكشّاف » ومثله بقوله تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حّتى تتّبع ملّتهم } البقرة 120 وجعل ، الآية دليلاً على أنّ الملائكة أفضل من المسيح ، وهو قول المعتزلة بتفضيل الملائكة على الأنبياء ، وزعم أنّ علم المعاني لا يقتضي غير ذلك ، وهو تضييق لواسع ، فإنّ الكلام محتمل لوجوه ، كما علمت ، فلا ينهض به الاستدلال . واعلم أنّ تفضيل الأنبياء على الملائكة مطلقاً هو قول جمهور أهل السنّة ، وتفضيل الملائكة عليهم قول جمهور المعتزلة والبَاقِلاّني والحليمي من أهل السنّة ، وقال قوم بالتفصيل في التفضيل ، ونسب إلى بعض الماتريدية ، ولم يضبط ذلك التفصيل ، والمسألة اجتهادية ، ولا طائل وراء الخوض فيها ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوض في تفاضل الأنبياء ، فما ظنّك بالخوض في التفاضل بين الأنبياء وبين مخلوقات عالم آخر لا صلة لنا به . و { المقرّبون } ، يحتمل أن يكون وصفاً كاشفاً ، وأن يكون مقيِّداً ، فيراد بهم الملقّبون بالكَرُوبيين وهم سادة الملائكة جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل . ووصفُهم بالكَروبيين وصف قديم وقع في بيت نسب إلى أميّة بن أبي الصلت . وقد قالوا إنَّه وصف مشتقّ من كَرَب مرادف قَرُب ، وزيد فيه صيغتا مبالغة ، وهي زنة فَعول وياء النسب . والَّذي أظنّ أنّ هذا اللّفظ نقل إلى العربيّة من العبرانيّة لوقوع هذا اللّفظ في التّوراة في سفر اللاويين وفي سفر الخروج ، وأنّه في العبرانيّة بمعنى القرب ، فلذلك عدل عنه القرآن وجاء بمرادفه الفصيح فقال { المقرّبون } ، وعليه فمن دونهم من الملائكة يثبت لهم عدم الاستنكاف عن العبوديّة لله بدلالة الأحرى . وقوله { ومن يستنكف عن عبادته } الآية تخلّص إلى تهديد المشركين كما أنبأ عنه قوله { وأمَّا الَّذين استنكفوا واستكبروا فيعذّبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله وليَّاً ولا نصيرا } . وضمير الجمع في قوله { فسيحشرهم } عائد إلى غير مذكور في الكلام ، بل إلى معلوم من المقام ، أي فسَيَحْشُر النّاسَ إليه جميعاً كما دلّ عليه التفصيل المفرّع عليه وهو قوله { فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الخ . وضمير { ولا يجدون } عائد إلى { الَّذين استنكفوا واستكبروا } ، أي لا يجدون وليّاً حين يحشر الله النّاس جميعاً . ويجوز أن يعود إلى الَّذين { استنكفوا واستكبروا } ويكون { جميعاً } بمعنى مجموعين إلى غيرهم ، منصوباً ، فإنّ لفظ جميع له استعمالات جمّة منها أن يكون وصفاً بمعنى المجتمع ، وفي كلام عمر للعبّاس وعليّ « ثم جئتُماني وأمركما جميع » أي متّفق مجموع ، فيكون منصوباً على الحال وليس تأكيداً . وذكر فريق المؤمنين في التفصيل يدلّ على أحد التقديرين . والتوفية أصلها إعطاء الشيء وافياً ، أي زائداً على المقدار المطلوب ، ولمّا كان تحقّق المساواة يخفَى لقلّة المَوازين عندهم ، ولاعتمادهم على الكيل ، جعلوا تحقّق المساواة بمقدار فيه فضْل على المقدار المساوي ، أطلقت التوفية على إعطاء المعادل وتُقابَل بالخسان وبالغبن ، قال تعالى حكاية عن شعيب { أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين } الشعراء 181 ولذلك قال هنا { ويزيدُهم من فضله } ، وهذه التوفية والزيادة يرجعان إلى تقدير يعلمه الله تعالى . وقوله { ولا يجدون لهم من دون الله وليّاً ولا نصيراً } تأييس لهم إذ قد عرف عند العرب وغيرهم ، من أمم ذلك العصر ، الاعتماد عند الضيق على الأولياء والنصراء ليكفّوا عنهم المصائب بالقتال أو الفداء ، قال النابغة @ يأمُلْنَ رِحلة نَصر وابن سيَّار @@ ولذلك كثر في القرآن نفي الوليّ ، والنصير ، والفداء ـــ { فلَن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين } آل عمران 91 .