Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 80-81)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا كالتكملة لقوله { وأرسلناك للناس رسولاً } النساء 79 باعتبار ما تضمّنه من ردّ اعتقادهم أنّ الرسول مصدرُ السيّئات التي تصيبهم ، ثم من قوله { ما أصابك من حَسَنَةٍ فمِنَ الله } النساء 79 الخ ، المؤذن بأنّ بين الخالق وبين المخلوق فَرْقا في التأثير وأنّ الرسالة معنَّى آخر فاحترَس بقوله { من يطع الرسول فقد أطاع الله } عن توهّم السامعين التفرقة بين الله ورسوله في أمور التشريع ، فأثبت أنّ الرسول في تبليغه إنّما يبلّغ عن الله ، فأمره أمرُ الله ، ونهيُه نهيُ الله ، وطاعتُه طاعةُ الله ، وقد دلّ على ذلك كلّه قولُه { من يطع الرسول فقد أطاع الله } لاشتمالها على إثبات كونه رسولاً واستلزامها أنّه يأمر وينهى ، وأنّ ذلك تبليغ لمراد الله تعالى ، فمن كان على بيّنة من ذلك أو كان في غفلة فقد بيّن الله له اختلاف مقامات الرسول ، ومن تولّى أو أعرض واستمرّ على المكابرة { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } ، أي حارساً لهم ومسؤولاً عن إعراضهم ، وهذا تعريض بهم وتهديد لهم بأنْ صَرَفه عن الاشتغال بهم ، فيعلم أنّ الله سيتولّى عقابهم . والتولّي حقيقته الانصراف والإدبار ، وقد تقدّم في قوله تعالى { وإذا تَولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها } البقرة 205 وفي قوله { مَا ولاَهُم عن قبلتهم } في سورة البقرة 142 . واستعمل هنا مجازاً في العصيان وعدم الإصغاء إلى الدعوة . ثم بَيَّن أنّهم لضعف نفوسهم لا يُعرضون جهراً بل يظهرون الطاعة ، فإذا أمرهم الرسول أو نهاهم يقولون له { طاعة } أي أمْرُنا طاعةٌ ، وهي كلمة يدُلّون بها على الامتثال ، وربما يقال سَمْعٌ وطاعة ، وهو مصدر مرفوع على أنّه خبر لمبتدإ محذوف ، أي أمرنا أو شأننا طاعة ، كما في قوله { فصبرٌ جميل } يوسف 18 . وليس هو نائباً عن المفعول المطلق ألآتي بدَلاً من الفعل الذي يُعَدل عن نصبه إلى الرفع للدلالة على الثبات مثل « قال سلام » ، إذ ليس المقصود هنا إحداثَ الطاعة وإنّما المقصود أنّنا سنُطيع ولا يكون منّا عصيان . ومعنى { برزوا } خرجوا ، وأصل معنى البروز الظهور ، وشاع إطلاقه على الخروج مجازاً مرسلاً . و { بيَّتَ } هنا بمعنى قدّر أمراً في السرّ وأضمره ، لأنّ أصل البيات هو فعل شيء في الليل ، والعرب تستعير ذلك إلى معنى الإسرار ، لأنّ الليل أكتم للسرّ ، ولذلك يقولون هذا أمر قْضي بليل ، أي لم يطّلع عليه أحد ، وقال الحارث بن حلّزة @ أجمعوا أمرهم بليل فلمّا أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء @@ وقال أبو سفيان هذا أمر قضى بليل . وقال تعالى { لنُبيِّتَنَّه وأهله } النمل 49 أي لنقتلنّهم ليلاً . وقال { وهو معهم إذ يّبينون ما لا يَرضى من القول } النساء 108 . وتاء المضارعة في { غير الذي تقول } للمؤنث الغائب ، وهو الطائفة ويجوز أن يراد خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أي غير الذي تقول لهم أنت ، فيجيبون عنه بقولهم طاعة . ومعنى { والله يكتب ما يبيّتون } التهديد بإعلامهم أنّه لن يفلتهم من عقابه ، فلا يغرنّهم تأخّر العذاب مدّة . وقد دلّ بصيغة المضارع في قوله { يكتب } على تجدّد ذلك ، وأنّه لا يضاع منه شيء . وقوله { فأعرض عنهم } أمر بعدم الاكتراث بهم ، وأنّهم لا يُخشى خلافهم ، وأنّه يتوكلّ على الله { وكفى بالله وكيلاً } أي مُتوكَّلاً عليه ، ولا يَتوكّل على طاعة هؤلاء ولا يحزنه خلافهم . وقرأ الجمهور { بيَّتَ طَائفة } ــــ بإظهار تاء بيَّتَ من طاء طائفة ــــ . وقرأه أبو عمرو ، وحمزة ، ويعقوب ، وخلف ــــ بإدغام التاء في الطاء ــــ تخفيفاً لقرب مخرجيهما .