Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-99)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فلمّا جاء ذكر القاعدين عن الجهاد من المؤمنين بعذر وبدونه ، في الآية السالفة ، كان حال القاعدين عن إظهار إسلامهم من الذين عزموا عليه بمكة ، أو اتّبعوه ثمّ صدّهم أهل مكة عنه وفتنوهم حتّى أرجعهوهم إلى عبادة الأصنام بعذر وبدونه ، بحيث يخطر ببال السامع أن يتساءل عن مصيرهم إن هم استمرّوا على ذلك حتّى ماتوا ، فجاءت هذه الآية مجيبة عمّا يجيش بنفوس السّامعين من التساؤل عن مصير أولئك ، فكان موقعها استئنافاً بيانياً لسائل متردّد ، ولذلك فصلت ، ولذلك صدّرت بحرف التأكيد ، فإنّ حالهم يوجب شكّاً في أن يكونوا ملحقين بالكفّار ، كيف وهم قد ظهر ميلهم إلى الإسلام . ومنهم من دخل فيه بالفعل ثم صدّ عنه أو فتن لأجله . والموصول هنا في قوّة المعرّف بلام الجنس ، وليس المراد شخصاً أو طائفة بل جنس من مات ظالماً نفسه ، ولِما في الصلة من الإشعار بعلّة الحكم وهو قوله { فأولئك مأواهم جهنّم } ، أي لأنّهم ظلموا أنفسهم . ومعنى { توفّاهم } تُميتهم وتقبض أرواحهم ، فالمعنى أنّ الذين يموتون ظالمي أنفسهم ، فعدل عن يموتون أو يتُوفَّوْن إلى تَوفّاهم الملائكةُ ليكون وسيلة لبيان شناعة فتنتهم عند الموت . و « الملائكة » جمع أريد به الجنس ، فاستوى في إفادة معنى الجنس جمعُه ، كما هنا ، ومُفرده كما في قوله تعالى { قل يتوفّاكم مَلَك الموتِ الذي وكّل بكم } السجدة 11 فيجوز أن يكون ملك الموت الذي يقبض أرواحَ الناس واحِداً ، بقوة منه تصل إلى كلّ هالك ، ويجوز أن يكون لكلّ هالك ملَك يقبض روحه ، وهذا أوضح ، ويؤيّده قوله تعالى { إنّ الذين توفّاهم الملائكة } إلى قوله { قالوا فيم كُنتم } . و { تَوفّاهم } فعل مضي يقال توفّاه الله ، وتَوفّاه ملك الموت ، وإنّما لم يقرن بعلامة تأنيث فاعل الفعل ، لأنّ تأنيث صيغ جموع التكسير تأنيث لفظي لا حقيقي فيجوز لَحاق تَاءِ التأنيث لفعلها ، تقول غَزَتْ العربُ ، وغَزَى العربُ . وظلم النفس أن يفعل أحد فِعلا يؤول إلى مضرّته ، فهو ظالم لنفسه ، لأنّه فعل بنفسه ما ليس من شأن العقلاء أن يفعلوه لوخامة عقباه . والظلم هو الشيء الذي لا يحقّ فعله ولا تَرضى به النفوس السليمة والشرائعُ ، واشتهر إطلاق ظلم النفس في القرآن على الكفر وعلى المعصية . وقد اختُلف في المراد به في هذه الآية ، فقال ابن عباس المراد به الكفر ، وأنّها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا قد أسلموا حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلمّا هاجر أقاموا مع قومهم بمكة ففتنوهم فارتدّوا ، وخرجوا يوم بدر مع المشركين فكثَّروا سواد المشركين ، فقُتلوا ببدر كافرين ، فقال المسلمون كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ولكنّهم أكرهوا على الكفر والخروج ، فنزلت هذه الآية فيهم . رواه البخاري عن ابن عباس ، قالوا وكان منهم أبو قيس بن الفاكِه ، والحارث بن زمْعة ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج فهؤلاء قتلوا . وكان العباس بن عبد المطلب ، وعَقيلٌ ونوفلٌ ابنا أبي طالب فيمن خرج معهم ، ولكن هؤلاء الثلاثة أسِروا وفَدَوْا أنفسهم وأسلموا بعد ذلك ، وهذا أصحّ الأقوال في هذه الأية . وقيل أريد بالظلم عدم الهجرة إذ كان قوم من أهل مكة أسلموا وتقاعسوا عن الهجرة . قال السديّ كان من أسلم ولم يهاجر يعتبر كافراً حتّى يهاجر ، يعني ولو أظهر إسلامه وترك حال الشرك . وقال غيره بل كانت الهجرة واجبة ولا يكفّر تاركها . فعلى قول السدّي فالظلم مراد به أيضاً الكفر لأنّه معتبر من الكفر في نظر الشرع ، أي أنّ الشرع لم يكتف بالإيمان إذا لم يهاجر صاحبه مع التمكّن من ذلك ، وهذا بعيد فقد قال تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } الأنفال 72 الآية فأوجب على المسلمين نصرهم في الدين إن استنصروهم ، وهذه حالة تخالف حالة الكفّار . وعلى قول غيره فالظلم المعصية العظيمة ، والوعيد الذي في هذه الآية صالح للأمرين ، على أنّ المسلمين لم يعُدّوا الذين لم يهاجروا قبل فتح مكة في عداد الصحابة . قال ابن عطية لأنّهم لم يتعيّن الذين ماتوا منهم على الإسلام والذين ماتوا على الكفر فلم يعتدّوا بما عرفوا منهم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وجملة { قالوا فيمَ كنتم } خبر إنّ . والمعنى قالوا لهم قول توبيخ وتهديد بالوعيد وتمهيد لدحض معذرتهم في قولهم { كنّا مسْتضعفين في الأرض } ، فقالوا لهم { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } . ويجوز أن يكون جملة { قالوا فيم كنتم } موضع بدل الاشتمال من جملة { توفّاهم } ، فإنّ توفّي الملائكة إيّاهم المحكي هنا يشتمل على قولهم لهم { فيم كنتم } . وأمّا جملة { قالوا كنّا مستضعفين في الأرض } فهي مفصولة عن العاطف جرياً على طريقة المقاولة في المحاورة ، على ما بيّناه عند قوله تعالى { قالوا أتجْعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة . وكذلك جملة { قالوا ألم تكن أرض الله واسعة } . ويكون خبر إنّ قوله { فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً } على أن يكون دخول الفاء في الخبر لكون اسم إنّ موصولاً فإنّه يعامل معاملة أسماء الشروط كثيراً ، وقد تقدّمت نظائره . والإتيان بالفاء هنا أولى لطول الفصل بين اسم إنّ وخبرها بالمقاولة ، بحيث صار الخبر كالنتيجة لتلك المقاولة كما يدلّ عليه أيضاً اسم الإشارة . والاستفهام في قوله { فيم كنتم } مستعْمل للتقرير والتوبيخ . وفي للظرفية المجازية . وما استفهام عن حالة كما دلّ عليه في . وقد علم المسؤول أنّ الحالة المسؤولون أنّ الحالة المسؤول عنها حالة بقائهم على الكفر أو عدم الهجرة . فقالوا معتذرين { كنّا مستضعفين في الأرض } . والمستضعف المعدود ضعيفاً فلا يعبأ بما يصنع به فليس هو في عزّة تُمَكِّنه من إظهار إسلامه ، فلذلك يضطّر إلى كتمان إسلامه . والأرض هي مكة . أرادوا كنّا مكرهين على الكفر ما أقمنا في مكة ، وهذا جواب صادق إذ لا مطمع في الكذب في عالم الحقيقة وقد حسبوا ذلك عذراً يبيح البقاء على الشرك ، أو يبيح التخلّف عن الهجرة ، على اختلاف التفسيرين ، فلذلك ردّ الملائكة عليهم بقولهم { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } ، أي تخرجوا من الأرض التي تستضعفون فيها ، فبذلك تظهرون الإيمان ، أو فقد اتّسعت الأرض فلا تعدمون أرضاً تستطيعون الإقامة فيها . وظاهر الآية أنّ الخروج إلى كلّ بلد غير بلد الفتنة يعدّ هجرة ، لكن دلّ قوله { مهاجراً إلى الله ورسوله } النساء 100 أنّ المقصود الهجرة إلى المدينة وهي التي كانت واجبة ، وأمّا هجرة المؤمنين إلى الحبشة فقد كانت قبل وجوب الهجرة لأنّ النبي وفريقاً من المؤمنين ، كانوا بعدُ بمكة ، وكانت بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ردّ مفحم لهم . والمهاجرة الخروج من الوطن وترك القوم ، مفاعلةٌ من هَجَر إذا ترك ، وإنّما اشتقّ للخروج عن الوطن اسم المهاجرة لأنها في الغالب تكون عن كراهية بين الراحل والمقيمين ، فكلّ فريق يطلب ترك الآخر ، ثم شاع إطلاقها على مفارقة الوطن بدون هذا القيد . والفاء في قوله { فأولئك مأواهم جهنّم } النساء 97 تفريع على ما حكى من توبيخ الملائكة إيّاهم وتهديدهم . وجيء باسم الإشارة في قوله { فأولئك مأواهم جهنم } للتنبيه على أنّهم أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة من أجْل الصفات المذكورة قبله ، لأنّهم كانوا قادرين على التخلّص من فتنة الشرك بالخروج من أرضه . وقوله { إلاّ المستضعفين } استثناء من الوعيد ، والمعنى إلاّ المستضعفين حقّاً ، أي العاجزين عن الخروج من مكة لقلّة جهد ، أو لإكراه المشركين إيّاهم وإيثاقهم على البقاء مثل عيّاش بن أبي ربيعة المتقدّم خبره في قوله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً } النساء 92 ، ومثل سلمة بن هشام ، والوليد بن الوليد . وفي « البخاري » " أنّ رسول الله كان يدعو في صلاة العشاء « اللهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة اللهمّ نجّ الوليد بن الوليد ، اللهمّ نجّ سلمة بن هشام اللهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين » " وعن ابن عباس كنتُ أنا وأميّ من المستضعفين . والتبيين بقوله { من الرجال والنساء والولدان } لقصد التعميم . والمقصد التنبيه على أنّ من الرجال مستضعفين ، فلذلك ابتدىء بذكرهم ثم ألحق بذكرهم النساء والصبيان لأنّ وجودهم في العائلة يكون عذراً لوليّهم إذا كان لا يجد حيلة . وتقدّم ذكرهم بقوله تعالى { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان } النساء 75 ، وإعادة ذكرهم هنا ممّا يؤكّد أن تكون الآيات كلّها نزلت في التهيئة لفتح مكة . وجملة { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً } حال من المستضعفينَ موضّحة للاستضعاف ليظهر أنّه غير الاستضعاف الذي يقوله الذين ظلموا أنفسهم { كُنَا مستضعفين في الأرض } ، أي لا يستطيعون حيلة في الخروج إمّا لمنع أهل مكة إيّاهم ، أو لفقرهم { ولا يهتدون سبيلاً } أي معرفة للطريق كالأعمى . وجملة { فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } الفاء فيها للفصيحة ، والإتيان بالإشارة للتنبيه على أنّهم جديرون بالحكم المذكور من المغفرة . وفعل { عسى } في قوله { فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } يقتضي أنّ الله يرجو أن يعفو عنهم ، وإذْ كان الله هو فاعل العفو وهو عالم بأنّه يعفو عنهم أو عن بعضهم بالتعيين تعيّن أن يكون معنى الرجاء المستفاد من { عسى } هنا معنى مجازياً بأنّ عفوه عن ذنبهم عفوٌ عزيز المنال ، فمُثِّل حال العفو عنهم بحال من لا يُقطع بحصول العفو عنه ، والمقصود من ذلك تضييق تحقق عذرهم ، لئلاّ يتساهلوا في شروطه اعتماداً على عفو الله ، فإنّ عذر الله لهم باستضعافهم رخصة وتوسعة من الله تعالى ، لأنّ البقاء على إظهار الشرك أمر عظيم ، وكان الواجب العزيمةُ أن يكلّفوا بإعلان الإيمان بين ظهراني المشركين ولو جلب لهم التعذيب والهلاك ، كما فعلت سُمَيَّة أمُّ عمّارٍ بن ياسر . وهذا الاستعمال هو محمل موارد { عسى } ولعلّ إذا أسندا إلى اسم الله تعالى كما تقدّم عند قوله تعالى { وإذْ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون } في سورة البقرة 53 ، وهو معنى قول أبي عبيدة « عسى من الله إيجاب » وقول كثير من العلماء أنّ عسى ولعلّ في القرآن لليقين ، ومرادهم إذا أسند إلى الله تعالى بخلاف نحو قوله { وقل عَسَى أن يهديني ربّي لأقرب من هذا رشداً } الكهف 24 . ومثل هذا ما قالوه في وقوع حرَف إنْ الشرطية في كلام الله تعالى ، مع أنّ أصلها أن تكون للشرط المشكوك في حصوله . وقد اتّفق العلماء على أنّ حكم هذه الآية انقضى يوم فتح مكة لأنّ الهجرة كانت واجبةً لمفارقة أهل الشرك وأعداء الدين ، وللتمكّن من عبادة الله دون حائل يحول عن ذلك ، فلمّا صارت مكة دار إسلام ساوت غيرها ، ويؤيّده حديث " لا هجرة بعد الفتح ولكنْ جِهَادٌ ونيَّة " فكان المؤمنون يبقون في أوطانهم إلاّ المهاجرين يحرم عليهم الرجوع إلى مكة . وفي الحديث " أللهمّ أمْضِ لأصحابي هجرتهم ولا تَرُدُّهْم على أعقابهم " قاله بعدَ أن فتحت مكة . غير أنّ القياس على حكم هذه الآية يفتح للمجتهدين نظراً في أحكام وجوب الخروج من البلد الذي يفتن فيه المؤمن في دينه ، وهذه أحكام يجمعها ستّة أحوال الحالة الأولى أن يكون المؤمن ببلد يُفتن فيه في إيمانه فيُرغَم على الكفر وهو يستطيع الخروج ، فهذا حكمَه حكم الذين نزلت فيهم الآية ، وقد هاجر مسلمون من الأندلس حين أكرههم النصارى على التنصرّ ، فخرجوا على وجوههم في كلّ واد تاركين أموالهم وديارهم ناجين بأنفسهم وإيمانِهم ، وهلك فريق منهم في الطريق وذلك في سنة 902 وما بعدها إلى أن كان الجلاء الأخير سنة 1016 . الحالة الثانية أن يكون ببلدِ الكفر غيرَ مفتون في إيمانه ولكن يكون عرضة للإصابة في نفسه أو ماله بأسر أو قتل أو مصادرة مال ، فهذا قد عرض نفسه للضرّ وهو حرام بلا نزاع ، وهذا مسمَّى الإقامةِ ببلد الحرب المفسّرة بأرض العدوّ . الحالة الثالثة أن يكون ببلد غلب عليه غير المسلمين إلاّ أنّهم لم يفتِنوا الناسَ في إيمانهم ولا في عباداتهم ولا في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ، ولكنّه بإقامته تجري عليه أحكام غير المسلمين إذا عرض له حادث مع واحد من أهل ذلك البلد الذين هم غير مسلمين ، وهذا مثل الذي يقيم اليوم ببلاد أوروبا النصرانية ، وظاهر قول مالك أنّ المقام في مثل ذلك مكسروه كراهة شديدة من أجل أنّه تجري عليه أحكام غير المسلمين ، وهو ظاهر المدوّنة في كتاب التجارة إلى أرض الحرب والعتبية ، كذلك تأوّل قولَ مالك فقهاء القيروان ، وهو ظاهر الرسالة ، وصريح كلام اللخمي في طالعة كتاب التجارة إلى أرض الحرب من تبصرته ، وارتضاه ابن محرز وعبد الحقّ ، وتأوّله سحنون وابن حبيب على الحرمة وكذلك عبد الحميد الصائغ والمازري ، وزاد سحنون فقال إنّ مقامه جرحة في عدالته ، ووافقه المازري وعبد الحميد ، وعلى هذا يجري الكلام في السفر في سفن النصارى إلى الحجّ وغيره . وقال البرزلي عن ابن عرفة إن كان أمير تونس قويّاً على النصارى جاز السفر ، وإلاّ لم يجز ، لأنّهم يهينون المسلمين . الحالة الرابعة أن يتغلّب الكفّار على بلدٍ أهلُه مسلمون ولا يفتنوهم في دينهم ولا في عبادتهم ولا في أموالهم ، ولكنّهم يكون لهم حكم القوة عليهم فقط ، وتجري الأحكام بينهم على مقتضى شريعة الإسلام كما وقع في صقلية حين استولى عليها رجير النرمندي . وكما وقع في بلاد غرناطة حين استولى عليها طاغية الجلالقة على شروط منها احترام دينهم ، فإنّ أهلها أقاموا بها مدّة وأقام منهم علماؤهم وكانوا يلون القضاء والفتوى والعدالة والأمانة ونحو ذلك ، وهاجر فريق منهم فلم يَعِب المهاجر على القاطن ، ولا القاطنُ على المهاجر . الحالة الخامسة أن يكون لغير المسلمين نفوذ وسلطان على بعض بلاد الإسلام ، مع بقاء ملوك الإسلام فيها ، واستمرار تصرّفهم في قومهم ، وولاية حُكَّامهم منهم ، واحترام أديانهم وسائر شعائرهم ، ولكنّ تصرف الأمراء تحت نظر غير المسلمين وبموافقتهم ، وهو ما يسمّى بالحماية والاحتلال والوصاية والانتداب ، كما وقع في مصر مدّة احتلال جيش الفرنسيس بها ، ثم مدّة احتلال الأنقليز ، وكما وقع بتونس والمغرب الأقصى من حماية فرانسا ، وكما وقع في سوريا والعراق أيّام الانتدَاب وهذه لا شبهة في عدم وجوب الهجرة منها . الحالة السادسة البلد الذي تكثر فيه المناكر والبدع ، وتجري فيه أحكام كثيرة على خلاف صريح الإسلام بحيث يخلِط عملاً صالحاً وآخرَ سَيّئاً ولا يجبر المسلم فيها على ارتكابه خلاف الشرع ، ولكنه لا يستطيع تغييرها إلاّ بالقول ، أو لا يستطيع ذلك أصلاً وهذه رُوي عن مالك وجوب الخروج منها ، رواه ابن القاسم ، غير أنّ ذلك قد حدث في القيروان أيّام بني عبيد فلم يُحفظ أنّ أحداً من فقهائها الصالحين دعا الناس إلى الهجرة . وحسبك بإقامة الشيخ أبي محمد بن أبي زيد وأمثاله . وحدث في مصر مدّة الفاطميين أيضاً فلم يغادرها أحد من علمائها الصالحين . ودون هذه الأحوال الستّة أحوال كثيرة هي أولى بجواز الإقامة ، وأنّها مراتب ، وإنّ لبقاء المسلمين في أوطانهم إذا لم يفتنوا في دينهم مصلحة كبرى للجامعة الإسلامية .