Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 38-40)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا مقال في مقام آخر قاله مؤمنُ آل فرعون ، فهذه المقالات المعطوفة بالواو مقالات متفرقة . فابتدأ موعظته بندائهم ليلفت إليه أذهانهم ويستصغي أسماعهم ، وبعنوان أنهم قومه لتَصْغَى إليه أفئدتُهم . ورتب خطبتُه على أسلوب تقديم الإِجمال ثم تعقيبه بالتفصيل ، فابتدأ بقوله { اتَّبِعُونِ أَهدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ } ، وسبيل الرشاد مجمل وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس ، فربْطُ حصوله باتِّباعهم إيَّاه مما يُقبِل بهم على تلقّي ما يفسر هذا السبيل ، ويسترعي أسماعهم إلى ما يقوله إذ لعله سيأتيهم بما ترغبه أنفسهم إذ قد يَظنون أنه نقحَ رأَيه ونخَل مقالَه وأنه سيأتي بما هو الحق الملائم لهم . وتقدم ذكر { سبيل الرشاد } آنفاً . وأعاد النداء تأكيداً لإِقبالهم إذْ لاحت بوارقه فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل ، وأن وراءها حياةً أبدية ، لأنه علم أن أشدّ دفاعهم عن دينهم منبعثٌ عن محبة السيادة والرفاهية ، وذلك من متاع الدنيا الزائل وأن الخير لهم هو العمل للسعادة الأبدية . وقد بنَى هذه المقدمة على ما كانوا عليه من معرفة أن وراء هذه الحياة حياة أبدية فيها حقيقة السعادة والشقاء ، وفيها الجزاء على الحسنات والسّيئات بالنعيم أو العذاب ، إذ كانت ديانتهم تثبت حياة أخرى بعد الحياة الدنيا ولكنها حَرفت معظم وسائل السعادة والشقاوة ، فهذه حقائق مسلّمة عندهم على إجمالها وهي من نوع الأصول الموضوعة في صناعة الجَدل ، وبذلك تمّت مقدمة خطبته وتهيأت نفوسهم لبيان مقصده المفسِّر لإِجمال مقدمته . فجملة { إنما هٰذهِ الحيَوٰة الدُّنيا مَتٰعٌ } مبينة لجملة { أهْدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ } . والمتاع ما ينتفع به انتفاعاً مؤجلاً . والقرار الدوام في المكان . والقصر المستفاد من قوله { إنما هذه الحياة الدنيا متاع } قصرُ موصوفٍ على صفة ، أي لا صفة للدنيا إلا أنها نفع موقت ، وهو قصر قلب لتنزيل قومه في تهالكهم على منافع الدنيا منزلة من يحسبها منافع خالدة . وجملتا { مَنْ عَمِلَ سَيِئَةً } إلى آخرهما بيان لجملة { وإنَّ الآخِرَة هِيَ دَارُ القَرارِ } . والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله { وَإِنَّ الآخِرَة هي دَارُ القَرارِ } قصرُ قلْبٍ نظير القصر في قوله { إنَّما هَذهِ الحَياةُ الدُّنْيا مَتٰعٌ } ، وهو مؤكد للقصر في قوله { إنَّما هَذهِ الحَياةُ الدُّنْيا مَتٰعٌ } من تأكيد إثبات ضد الحكم لضد المحكوم عليه ، وهو قصر قلب ، أي لاَ الدنيا . ومَنْ من قوله { مَنْ عَمِلَ سَيِئةَ } شرطية . ومعنى { إلاَّ مِثْلَهَا } المماثلة في الوصف الذي دل عليه اسم السيّئة وهو الجزاء السّيّء ، أي لا يجزي عن عمل السوء بجزاء الخير ، أي لا يطمعوا أن يعملوا السيئات وأنهم يجازَون عليها جزاءَ خير . وفي « صحيح البخاري » عن وهب بن منبه وكان كثير الوعظ للناس فقيل له ، إنك بوعظك تقنط الناس فقال « أأنا أقدر أن أقنط الناس والله يقول { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الزمر 53 ولكنكم تُحبون أن تُبشَّروا بالجنة على مساوي أعمالكم » . وكأن المؤمن خصّ الجزاء بالأعمال لأنهم كانوا متهاونِين بالأعمال وكان قصارى ما يهتمون به هو حسن الاعتقاد في الآلهة ، ولذلك توجد على جُدر المعابد المصرية صورة الحساب في هيئة وضع قلب الميت في الميزان ليكون جزاؤه على ما يفسر عنه ميزان قلبه . ولذلك ترى مؤمن آل فرعون لم يهمل ذكر الإِيمان بعد أن اهتم بتقديم الأعمال فتراه يقول { ومَنْ عَمِلَ صٰلِحاً مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، فالإِيمان هو أُسٌّ هيكل النجاة ، ولذلك كان الكفر أُسَّ الشقاء الأبدي فإن كل عمل سيّء فإن سُوءه وفساده جُزئي مُنقَضٍ فكان العقاب عليه غير أبدي ، وأما الكفر فهو سيئة دائمة مع صاحبها لأن مقرّها قلبه واعتقاده وهو ملازم له فلذلك كان عقابه أبدياً ، لأن الحكمة تقتضي المناسبة بين الأسباب وآثارها فدل قوله { فَلاَ يُجْزَىَ إلاَّ مِثلها } أن جزاء الكفر شقاء أبدي لأن مِثْل الكفر في كونه ملازماً للكافر إِن مات كافراً . وبهذا البيان أبطلنا قول المعتزلة والخوارج بمساواة مرتكب الكبائر للكافر في الخلود في العذاب ، بأنه قول يفضي إلى إزالة مزية الإِيمان ، وذلك تنافيه أدلة الشريعة البالغة مبلغ القطع ، ونظير هذا المعنى قوله تعالى { فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا } البلد 13 ــــ 17 . وترتيبه دخول الجنة على عمل الصالحات معناه من عمل صالحاً ولم يعمل سيئة بقرينة مقابلته بقوله { مَنْ عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها } ، فإنْ خلَط المؤمن عملاً صالحاً وسيئاً فالمقاصة ، وبيانه في تفاصيل الشريعة . وقوله { بِغَيْرِ حِسابٍ } كناية على سعة الرزق ووفرته كما تقدم عند قوله تعالى { إن اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب } في سورة آل عمران 37 . و { مَن } في قوله { وَمَنْ عَمِلَ صٰلِحاً } الخ شرطية ، وجوابها { فَأُولٰئِك يَدْخُلون الجنَّة } . وجيء باسم الإشارة لِلتنبيه على أن المشار إليه يستحق ما سيذكر بعد اسم الإشارة من أجْل ما ذكر قبل اسم الإشارة من الأوصاف ، وهي عمل الصالحات مع الإِيمان زيادة على استفادة ذلك من تعليقه على الجملة الشرطية . وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة جواب الشرط لإِفادة الحصر . والمعنى أنكم إن متم على الشرك والعمل السيّىء لا تدخلونها . وقوله { مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَىٰ } بيان لما في { مَنْ } من الإِبهام من جانب احتمال التعميم فلفظ { ذَكَرٍ أو أُنْثَىٰ } مراد به عموم الناس بذكر صنفيهم تنصيصاً على إرادة العموم ، وليس المقصود به إفادة مساواة الأنثى للذكر في الجزاء على الأعمال إذ لا مناسبة له في هذا المقام ، وتعريضاً بفرعون وخاصته أنهم غير مُفلَتين من الجزاء . وقرأ الجمهور { يَدْخُلونَ الجَنَّة } بفتح الياء . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بضمها وفتح الخاء ، والمعنى واحد .