Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 58-58)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما نزّلهم منزلة من لا يعلم ضرب مثلاً لهم وللمؤمنين ، فمثَل الذين يجادلون في أمر البعث مع وضوح إمكانه مَثَل الأعمى ، ومثل المؤمنين الذين آمنوا به حال البصير ، وقد علم حال المؤمنين من مفهوم صفة { أكثر الناس } لأن الأكثرين من الذين لا يعلمون يقابلهم أقلون يعلمون . والمعنى لا يستوي الذين اهتدوا والذين هم في ضلال ، فإطلاق الأعمى والبصير استعارة للفريقين اللذين تضمنهما قوله { ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يعلَمون } غافر 57 . ونفيُ الاستواء بينهما يقتضي تفضيل أحدهما على الآخر كما قدمنا في قوله تعالى { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } الآية في سورة النساء 95 ، ومن المتبادر أن الأفضل هو صاحب الحال الأفضل وهو البصير إذ لا يختلف الناس في أن البصَر أشرف من العمى في شخص واحد ، ونفي الاستواء بدون متعلِّق يقتضي العموم في متعلقاته ، لكنه يُخص بالمُتعلِّقات التي يدل عليها سياق الكلام وهي آيات الله ودلائل صفاته ، ويسمى مثل هذا العموم العمومَ العرفي ، وتقدم نظيرها في سورة فاطر 19 . وقوله { والذينَ ءامنوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ ولا المُسِيء } زيادة بيان لفضيلة أهل الإِيمان بذكر فضيلتهم في أعمالهم بعد ذكر فضلهم في إدراك أدلة إمكان البعث ونحوه من أدلة الإِيمان . والمعنى وما يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيئون ، أي في أعمالهم كما يؤذن بذلك قوله { وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا المُسِيء } ، وفيه إيماء إلى اختلاف جزاء الفريقين وهذا الإِيماء إدماج للتنبيه على الثواب والعقاب . والواو في قوله { والذين ءامنوا } عاطفةٌ الجملةَ على الجملة بتقدير وما يستوي الذين آمنوا . والواو في قوله { ولا المُسِيء } عاطفة { المسيء } على { الذين آمنوا } عطفَ المفرد على المفرد ، فالعطف الأول عطف المجموع مثل قوله تعالى { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } الحديد 3 . وإنما قدم ذكر الأعمى على ذكر البصير مع أن البصر أشرف من العمى بالنسبة لذات واحدة ، والمشبهَ بالبصير أشرفُ من المشبه بالأعمى إذ المشبه بالبصير المؤمنون ، فقدم ذكر تشبيه الكافرين مراعاة لكون الأهمّ في المقام بيانَ حال الذين يجادلون في الآيات إذ هم المقصود بالموعظة . وأما قوله { والذين ءامنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ ولا المُسِيء } فإنما رتب فيه ذكر الفريقين على عكس ترتيبه في التشبيه بالأعمى والبصير اهتماماً بشرف المؤمنين . وأعيدت لا النافية بعد واو العطف على النفي ، وكان العطف مغنياً عنها فإعادتها لإِفادة تأكيد نفي المساواة ومقام التوبيخ يقتضي الإِطناب ، ولذلك تُعدّ لا في مثله زائدة كما في « مغني اللبيب » ، وكان الظاهر أن تقع لا قبل الذين آمنوا ، فعدُل عن ذلك للتنبيه على أن المقصود عدم مساواة المسيء لمن عَمِل الصالحات ، وأن ذكر الذين آمنوا قبل المسيء للاهتمام بالذين آمنوا ولا مُقتضي للعدول عنه بعد أن قُضي حق الاهتمام بالذين سبق الكلام لأجل تمثيلهم ، فحصل في الكلام اهتمامان . وقريب منه ما في سورة فاطر في أربع جمل اثنتين قُدّم فيهما جانب تشبيه الكافرين ، واثنتين قُدّم فيهما تشبيه جانب المؤمنين ، وذلك قوله تعالى { وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات } فاطر 19 ـــ 22 . و { قليلاً } حال من { أكْثَرَ النَّاسِ } في قوله تعالى قبله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ، و ما في قوله { مَّا يَتَذَكَّرون } مصدرية وهي في محل رفع على الفاعلية . وهذا مؤكد لمعنى قوله { ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعْلَمُون } لأن قلة التذكر تؤول إلى عدم العلم ، والقلةُ هنا كناية عن العدم وهو استعمال كثير ، كقوله تعالى { فقليلاً ما يؤمنون } البقرة 88 ، ويجوز أن تكون على صريح معناها ويكون المراد بالقلة عدم التمام ، أي لا يعلمون فإذا تذكروا تذكروا تذكراً لا يتممونه فينقطعون في أثنائه عن التعمّق إلى استنباط الدلالة منه فهو كالعدم في عدم ترتب أثره عليه . وقرأ الجمهور { يَتَذَكَّرون } بياء الغيبة جرياً على مقتضى ظاهر الكلام ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف { تتذكرون } بتاء الخطاب على الالتفات ، والخطاب للذين يجادلون في آيات الله . وكون الخطاب لجميع الأمة من مؤمنين ومشركين وأن التذكر القليل هو تذكر المؤمنين فهو قليل بالنسبة لعدم تذكر المشركين بعيد عن سياق الردّ ولا يلاقي الالتفات .