Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 2-4)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتح الكلام باسم نكرة لما في التنكير من التعظيم . والوجه أن يكون { تَنزِيلٌ } مبتدأ سَوَّغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم فكانت بذلك كالموصوفة وقوله { مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم } خبر عنه . وقوله { كتاب } بَدل من { تنزيل } فحصل من المعنى أن التنزيل من الله كتاب ، وأن صفته فُصّلت آياته ، موسوماً بكونه قرآناً عربياً ، فحصل من هذا الأسلوب أن القرآن منزَّل من الرحمان الرحيم مفصلاً عربياً . ولك أن تجعل قوله { مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم } في موضع الصفة للمبتدأ وتجعل قوله { كتاب } خبرَ المبتدأ ، وعلى كلا التقديرين هو أسلوب فخم وقد مَضى مثله في قوله تعالى { آلمص كتاب أنزل إليك } الأعراف 1 ، 2 . والمراد أنه منزَّل ، فالمصدر بمعنى المفعول كقوله { وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين } الشعراء 192 ، 193 وهو مبالغة في كونه فَعَل الله تنزيله ، تحقيقاً لكونه موحى به وليس منقولاً من صحف الأولين . وتنكير { تنزيل } و { كتاب } لإِفادة التعظيم . والكتاب اسم لمجموع حروف دالة على ألفاظ مفيدة وسمي القرآن كتاباً لأن الله أوحى بألفاظه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكتب ما أُوحي إليه ، ولذلك اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتَّاباً يكتبون له كل ما ينزل عليه من القرآن . وإيثار الصفتين { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ } على غيرهما من الصفات العلية للإِيماء إلى أن هذا التنزيل رحمة من الله بعباده ليخرجهم من الظلمات إلى النور كقوله تعالى { فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة } الأنعام 157 وقولِه تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء 107 وقوله { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } العنكبوت 51 . والجمع بين صفتي { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم } للإيماء إلى أن الرحمة صفة ذاتيَّة لله تعالى ، وأن متعلقها منتشر في المخلوقات كما تقدم في أول سورة الفاتحة والبسملة . وفي ذلك إيماء إلى استحماق الذين أعرضوا عن الاهتداء بهذا الكتاب بأنهم أعرضوا عن رحمة ، وأن الذين اهتدوا به هم أهل المرحمة لقوله بعد ذلك { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى } فصلت 44 . ومعنى { فُصِّلَتْ ءَايٰتُه } بُينت ، والتفصيل التبيين والإخلاء من الالتباس . والمراد أن آيات القرآن واضحة الأغراض لا تلتبس إلا على مكابر في دلالة كل آية على المقصود منها ، وفي مواقعها وتمييز بعضها عن بعض في المعنى باختلاف فنون المعاني التي تشتمل عليها ، وقد تقدم في طالعة سورة هود . ومن كمال تفصيله أنه كان بلغة كثيرة المعاني ، واسعة الأفنان ، فصيحة الألفاظ ، فكانت سالمة من التباس الدلالة ، وانغلاق الألفاظ ، مع وفرة المعاني غير المتنافية في قلة التراكيب ، فكان وصفه بأنه عربي من مكملات الإِخبار عنه بالتفصيل . وقد تكرر التنويه بالقرآن من هذه الجهة كقوله { بلسان عربي مبين } الشعراء 195 ولهذا فرع عليه ذم الذين أعرضوا عنه بقوله هنا { فَأعْرَضَ أكْثَرُهُم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون } وقوله هنالك { كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم } الشعراء 200 ، 201 . والقرآن الكلام المقروء المتلوّ . وكونه قُرآناً من صفات كماله ، وهو أنه سهْل الحفظ ، سهْل التلاوة ، كما قال تعالى { ولقد يسرنا القرآن للذكر } القمر 22 ولذلك كان شأن الرسول صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن عن ظهر قلب ، وكان شأن المسلمين الاقتداء به في ذلك على حسب الهمم والمَكْنَات ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى تفضيل المؤمنين بما عندهم من القرآن . وكان يوم أحد يقدم في لحد شهدائه مَن كان أكثرهم أخذاً للقرآن تنبيهاً على فضل حفظ القرآن زيادة على فضل تلك الشهادة . وانتصب { قرآناً } على النعت المقطوع للاختصاص بالمدح وإلا لكان مرفوعاً على أنه خبر ثالث أو صفة للخبر الثاني ، فقوله { قرآناً } مقصود بالذكر للإشارة إلى هذه الخصوصية التي اختص بها من بين سائر الكتب الدينية ، ولولا ذلك لقال كتاب فصّلت آياته عربي كما قال في سورة الشعراء 195 { بلسان عربي مبين } ولك أن تجعله منصوباً على الحال . وقوله { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } صفة لــــ { قرآناً } ظرفٌ مستقر ، أي كائناً لقوم يعلمون باعتبار ما أفاده قوله { قُرءَاناً عَرِبيَّاً } من معنى وضوح الدلالة وسطوع الحجة ، أو يتعلق { لِقَوْمٍ يَعْلَمُون } بقوله { تنزيل } أو بقوله { فُصِّلَتْ ءَايٰتُهُ } على معنى أن فوائد تنزيله وتفصيله لقوم يعلمون دون غيرهم فكأنه لم يُنزل إلا لهم ، أي فلا بدع إذا أعرض عن فهمه المعاندون فإنهم قوم لا يعلمون ، وهذا كقوله تعالى { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } يونس 101 وقوله { وما يعقلها إلا العالمون } العنكبوت 43 وقوله { إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون } يوسف 2 وقوله { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } العنكبوت 49 . والبشير اسم للمبشر وهو المخبر بخبر يسر المخبَر . والنذير المخبر بأمر مَخُوف ، شبه القرآن بالبشير فيما اشتمل عليه من الآيات المبشرة للمؤمنين الصالحين ، وبالنذير فيما فيه من الوعيد للكافرين وأهل المعاصي ، فالكلام تشبيه بليغ . وليس { بشيراً } أو { نذيراً } اسمي فاعل لأنه لو أريد ذلك لقيل مُبشراً ومُنذراً . والجمع بين { بشيراً } و { نَذِيراً } من قبيل محسن الطِّبَاق . وانتصب { بشيراً } على أنه حال ثانية من { كتاب } أو صفة لــــ { قرآناً ، } وصفة الحال في معنى الحال ، فالأوْلى كونه حالاً ثانية . وجيء بقوله { نذيراً } معطوفاً بالواو للتنبيه على اختلاف موقع كل من الحالين فهو بشير لقوم وهم الذين اتبعوه ونذير لآخرين ، وهم المعرضون عنه ، وليس هو جامعاً بين البشارة والنذارة لطائفة واحدة فالواو هنا كالواو في قوله { ثيبات وأبكارا } التحريم 5 بعد قوله { مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات } التحريم 5 . وتفريع { فأعْرَضَ أكْثَرُهُم } على ما ذكر من صفات القرآن . وضمير { أكثرهم } عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون كما هي عادة القرآن في غير موضع . والمعنى فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ، ومن البشارة فلم يُعنوا بها ، ومن النذارة فلم يحذروها ، فكانوا في أشد الحماقة ، إذ لم يعنوا بخَير ، ولا حَذِرُوا الشر ، فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم وليس عائداً لــــ { قوم يعلمون } لأن الذين يعلمون لا يُعرض أحد منهم . والفاء في قوله { فَهُمْ لا يَسْمَعُون } للتفريع على الإِعراض ، أي فهم لا يُلقون أسماعهم للقرآن فضلاً عن تدبره ، وهذا إجمال لإِعراضهم . وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في { فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ } دون أن يقول فلا يسمعون لإِفادة تقوّي الحكم وتأكيده .