Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 37-37)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { قُل أئِنَّكُم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } فصلت 9 الآية عطف القصة على القصة فإن المقصود من ذكر خلق العوالم أنها دلائل على انفراد الله بالإِلهية ، فلذلك أخبر هنا عن المذكورات في هذه الجملة بأنها من آيات الله انتقالاً في أفانين الاستدلال فإنه انتقال من الاستدلال بذواتٍ من مخلوقاته إلى الاستدلال بأحوال من أحوال تلك المخلوقات ، فابتدىء ببعض الأحوال السماوية وهي حال الليل والنهار ، وحال طلوع الشمس وطلوع القمر ، ثم ذكر بعده بعض الأحوال الأرضية بقوله { ومن ءاياته أنك ترى الأرض خاشعة } فصلت 39 . ويدل لهذا الانتقال أنه انتقل من أسلوب الغيبة من قوله { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة } فصلت 13 إلى قوله { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } فصلت 34 إلى أسلوب خطابهم رجوعاً إلى خطابهم الذي في قوله { أئِنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض } فصلت 9 . والآيات الدلائل ، وإضافتها إلى ضمير الله لأنها دليل على وحدانيته وعلى وجوده . واختلافُ الليل والنهار آية من آيات القدرة التي لا يفعلها غير الله تعالى ، فلا جرم كانت دليلاً على انفراده بالصنع فهو منفرد بالإِلهية . وتقدم الكلام على الليل والنهار عند قوله تعالى في سورة البقرة 164 { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار } والمراد بالشمس والقمر ابتداءً هنا حركتُهما المنتظمة المستمرة ، وأمّا خلقهما فقد علم من خلق السماوات والأرض كما تقدم آنفاً في قوله { فقضاهن سبع سماوات } فصلت 12 ، فإن الشمس إحدى السماوات السبع والقمر تابع للشمس ، ولم يُذكر ما يدل على بعض أحوال الشمس والقمر مثل طلُوع أو غروبٍ أو فَلَك أو نحو ذلك ليَكون صالحاً للاستدلال بأحوالهما وهو المقصود الأول ، ولخلقهما تأكيد لما استفيد من قوله { فَقَضٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوٰاتٍ } توفيراً للمعاني . ولما جرى الاعتبار بالشمس والقمر وكان في الناس أقوام عبدوا الشمس والقمر وهم الصابئة ومنبعهم من العراق من زمن إبراهيم عليه السلام ، وقد قصَّ الله خبرَهم في سورة الأنعام 76 في قوله { فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي } الآيات ، ثم ظهر هذا الدين في سبأ ، عبدوا الشمس كما قصه الله في سورة النمل . ولم أقف على أن العرب في زمن نزول القرآن كان منهم من يعبد الشمس والقمر ، ويَظهر من كلام الزمخشري أنه لم يقف على ذلك لقوله هنا لعل ناساً منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر ا هــــ . ولكن وجود عبادة الشمس في اليمن أيام سبأ قبل أن يتهَوَّدُوا يقتضي بقاء آثاره من عبادة الشمس في بعض بلاد العرب . وقد ذكر من أصنام العرب صنم اسمه شَمس وبه سموا عبدَ شمس ، وكذلك جعلهم من أسماء الشمس الإِلٰهة ، قالت مَيَّة بنتُ أم عتبة @ تروَّحْنَا من اللَّعْبَاء عَصْراً فأعْجَلْنا الإِلهةَ أن تؤوبا @@ وكان الصنم الذي اسمه شمس يَعبده بنو تميم وضبة وَتَيْم وعُكْل وأُدّ . وكنت وقفت على أن بعض كنانة عبدوا القمر . وفي « تلخيص التفسير » للكواشي وكان الناس يسجدون للشمس والقمر يزعمون أنهم يقصدون بذلك السجود للَّه كالصابئين فنهوا عن ذلك وأمروا أن يخصوه تعالى بالعبادة وليس فيه أن هؤلاء الناس من العرب ، على أن هدي القرآن لا يختص بالعرب بل شيوع دين الصابئة في البلاد المجاورة لهم كاف في التحذير من السجود للشمس والقمر . وقد كان العرب يحسبون دين الإسلام دين الصابئة فكانوا يقولون لمن أسلم صَبَأَ ، وكانوا يصفون النبي صلى الله عليه وسلم بالصابىء ، فإذا لم يكن النهي في قوله { لاَ تَسْجُدُوا للشَّمْسسِ ولاَ للقَمَرِ } نهيَ إقلاع بالنسبة للذين يسجدون للشمس والقمر ، فهو نهي تحذير لمن لم يسجد لهما أن لا يتبعوا من يعبدونهما . ووقوع قوله { واسْجُدُوا لله الذِي خَلَقَهُنَّ } بعد النهي عن السجود للشمس والقمر يفيد مفاد الحصر لأن النهي بمنزلة النفي ، ووقوع الإِثبات بعده بمنزلة مقابلة النفي بالإِيجاب ، فإنه بمنزلة النفي والاستثناء في إفادة الحصر كما تراه في قول السموأل أو عبد الملك الحارثي @ تسيل على حد الظبات نفوسنا وليست على غير الظبات تسيل @@ فكأنه قيل لا تسجدوا إلا لله ، أي دون الشمس والقمر . فجملة { لا تَسْجدوا للشَّمس } إلى قوله { تَعْبُدُونَ } معترضة بين جملة { وَمِن ءايٰتهِ الليَّلُ والنَّهَارُ } ، وبين جملة { فَإنْ استَكْبَرُوا } فصلت 38 . وفي هذه الآية موضع سجود من سجود التلاوة ، فقال مالك وأصحابه عدا ابن وهب السجود عند قوله تعالى { إن كنتم إيَّاهُ تعبدون } وهو قول علي بن أبي طالب وابن مسعود ، وروي عن الشافعي . وقال أبو حنيفة والشافعي في المشهور عنه وابنُ وهب هي عند قوله { وَهُمْ لا يَسْأمُونَ } فصلت 38 ، وهو عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب .