Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 25-26)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما جرى وعيد الذين يحاجُّون في الله لتأييد باطلهم من قوله تعالى { والذين يحاجّون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد } الشورى 16 . ثم أتبع بوصف سوء حالهم يوم الجزاء بقوله { ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا } الشورى 22 ، وقوبل بوصف نعيم الذين آمنوا بقوله { والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات } الشورى 22 ، وكان ذلك مَظنة أن يكسر نفوس أهل العناد والضلالة ، أعقب بإعلامهم أن الله من شأنه قبول توبة من يتوب من عباده ، وعفوُه بذلك عما سلف من سيئاتهم . وهذا الإخبار تعريض بالتحريض على مبادرة التوبة ولذلك جيء فيه بالفعل المضارع الصالح للاستقبال . وهو أيضا بشارة للمؤمنين بأنه قبل توبتهم مما كانوا فيه من الشرك والجاهلية فإن الذي من شأنه أن يقبل التوبة في المستقبل يكون قد قبل توبة التائبين من قبلُ ، بدلالة لحن الخطاب أو فَحواه ، وأن من شأنه الاستجابة للذين آمنوا وعملوا الصالحات من عباده . وكل ذلك جرْي على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب وعكسه . وهذا كله يتضمن وعداً للمؤمنين بقبول إيمانهم وللعصاة بقبول توبتهم . فجملة { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } معطوفة على جملة { وإن الظالمين لهم عذاب أليم } الشورى 21 وما اتصل بها ممّا تقدم ذكره وخاصة جملة { ويمح الله الباطل } الشورى 24 . وابتِناءُ الإخبار بهذه الجملة على أسلوب الجملة الاسمية لإفادتها ثباتَ حكمها ودوامه . ومَجيءُ المسند اسم موصول لإفادة اتصاف الله تعالى بمضمون صلته وأنها شأن من شؤون الله تعالى عرف به ثابت له لا يتخلف لأنه المناسب لحكمته وعظَمة شأنه وغناه عن خلقه . وإيثار جملة الصلة بصيغة المضارع لإفادة تجدد مضمونه وتكرره ليعلموا أن ذلك وعد لا يتخلف ولا يختلف . وفعل قَبِلَ يتعدى بــ من الابتدائية تارة كما في قوله { وما مَنَعَهم أن تقبل منهم نفقاتهم } التوبة 54 وقوله { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } آل عمران 91 ، فيفيد معنى الأخذ للشيء المقبول صادراً من المأخوذ منه ، ويعدَّى بــ { عن } فيفيد معنى مجاوزة الشيء المقبول أو انفصالِه عن معطيه وباذِلِه ، وهو أشد مبالغةً في معنى الفعل من تعديته بحرف من لأن فيه كناية عن احتباس الشيء المبذول عند المبذول إليه بحيث لا يُردّ على باذلِه . فحصلت في جملة { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } أربعُ مبالغات بناء الجملة على الاسمية وعلى الموصولية وعلى المضارعية ، وعلى تعدية فعل الصلة بــ { عن } دون من . و { التوبة } الإقلاع عن فعل المعصية امتثالاً لطاعة الله ، وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى { فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } في سورة البقرة 37 . وقبول التوبة منّة من الله تعالى لأنه لو شاء لَمَا رضِي عن الذي اقترف الجريمة ولكنه جعلها مقبولة لحكمته وفضله . وفي ذكر اسم العباد دون نحو الناس أو التائبين أو غير ذلك إيماء إلى أن الله رفيق بعباده لمقام العبودية فإن الخالق والصانع يحب صلاح مصنوعه . والعفو عدم مؤاخذة الجاني بجنايَته . والسيئات الجرائم لأنها سيئة عند الشرع . والعفو عن السيئات يكون بسبب التوبة بأن يعفو عن السيئات التي اقترفها العاصي قبل توبته ، ويكون بدون ذلك مثل العفو عن السيئات عقب الحج المبرور ، ومثل العفو عن السيئات لأجل الشهادة في سبيل الله ، ومثل العفو عن السيئات لكثرة الحسنات بأن يُمحَى عن العاصي من سيئاته ما يقابل مقداراً من حسناته على وجه يعلمه الله تعالى ، ومثل العفو عن الصغائر باجتناب الكبائر . والتعريف في { السيئات } تعريف الجنس المراد به الاستغراق وهو عام مخصوص بغير الشرك قال تعالى { إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به } النساء 48 ولك أن تجعله عوضاً عن المضاف إليه ، أي عن سيئات عباده فيعم جميع العباد عموماً مخصوصاً بالأدلة لهذا الحكم كما في الوجه الأول . وجملة { ويعلم ما تفعلون } معترضة بين المتعاطفات أو في موضع الحال ، والمقصود أنه لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده خيرها وشرها . وقرأ الجمهور { ما يفعلون } بياء الغيبة ، أي ما يفعل عبادُه . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بتاء الخطاب على طريقة الالتفات . والاستجابة مبالغة في الإجابة ، وخُصت الاستجابة في الاستعمال بامتثال الدعوةِ أو الأمر . وظاهر النظم أن فاعل { يستجيب } ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير { وهو الذي يقبل التوبة } وأن { الذين آمنوا } مفعول { يستجيب } وأن الجملة معطوفة على جملة { يقبل التوبة } . والغالب في الاستعمال أن يقال استجاب له ، كقوله { ادعوني أستجب لكم } غافر 60 وقد يحذفون اللام فيعدُّونه بنفسه ، كقول كعب بن سعد @ ودَاعٍ دَعا يَا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذَاك مجيب @@ والمعنى أن الله يستجيب لهم ما يرجونه منه من ثواب ، وما يدْعُونه . ويجوز أن يكون { الذين آمنوا } فعل { يستجيب } أي يستجيبون لله فيطيعونه وتكون جملة { ويستجيب } عطفاً على مجموع جملة { وهو الذي يقبل التوبة } ، أي ذلك شأنه وهذا شأن عباده المؤمنين . ومعنى { ويزيدهم من فضله } على الوجهين أنه يعطيهم ما أمَّلوا من دعائهم وعملهم وأعظم مما أملوا حين استجابوا له ولرسوله ، وأنه يعطيهم من الثواب أكثر مما عملوا من الصالحات إذ جعل لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كما في الحديث ، وأنه يعطيهم من خير الدنيا ما لم يسألوه إياه كل ذلك لأنه لطيف بهم ومدبر لمصالحهم . ولما كانت الاستجابة والزيادة كرامةً للمؤمنين ، أظهر اسم { الذين آمنوا } وجيء به مَوْصُولاً للدلالة على أن الإيمان هو وجه الاستجابة لهم والزيادة لهم . وجملة { والكافرون لهم عذاب شديد } اعتراض عائد إلى ما سبق من قوله { ترى الظالمين مُشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم } الشورى 22 توكيداً للوعيد وتحذيراً من الدوام على الكفر بعد فتح باب التوبة لهم .