Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 44-44)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

. بعد أن حكى أصنافاً من كفر المشركين وعنادهم وتكذيبهم ، ثم ذكَّرهم بالآيات الدالة على انفراد الله تعالى بالإلـٰهية وما في مطاويها من النعم وحذّرهم من الغرور بمتاع الدنيا الزائل أعقبه بقوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مِّن بَعْدِهِ } وهو معطوف على قوله { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } الشورى 42 . والمعنى أن فيما سمعتهم هدايةً لمن أراد الله له أن يهتدي ، وأما من قدَّر الله عليه بالضلال فما له من وليّ غير الله يهديه أو ينقذه ، فالمراد نفي الولي الذي يُصلحه ويُرشده ، كقوله { من يهد الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجدَ له وليَّاً مُرشداً } الكهف 17 ، فالمراد هنا ابتداءً معنى خاص من الوَلاية . وإضلال الله المرءَ خَلْقُه غير سريع للاهتداء أوْ غير قابل له وحرمانه من تداركه إياه بالتوفيق كلما توغل في الضلالة ، فضَلالُه من خلق الله وتقدير الله له ، والله دعا الناس إلى الهداية بواسطة رُسله وشرائعه قال تعالى { والله يدعو إلى دار السلام ويَهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } يونس 25 أي يدعو كل عاقل ويَهدي بعض مَن دعاهم . و { مَن } شرطية ، والفاء في { فما له من ولي } رابطة للجواب . ونفي الولي كناية عن نفي أسباب النجاة عن الضلالة وعواقب العقوبة عليها لأن الولي من خصائصه نفع مولاه بالإرشاد والانتشال ، فنفي الولي يدلّ بالالتزام على احتياج إلى نفعه مولاه وذلك يستلزم أن مولاه في عناء وعذاب كما دل عليه قوله عقبه { وترى الظالمين لما رأوا العذاب } الآية . فهذه كناية تلويحية ، وقد جاء صريح هذا المعنى في قوله { ومن يضلل الله فما له من هاد } في سورة الزمر 23 وقوله { ومن يضلل الله فما له من سبيل } الآتي في هذه السورة 46 . وضمير { بعده } راجع إلى اسم الجلالة ، أي من بعد الله كقوله تعالى { فمن يهديه من بعد الله أفلا تذّكرون } في سورة الجاثية 23 . ومعنى { بعد } هنا بمعنى دُون أو غير ، استعير لفظ { بعد } لمعنى دون لأن { بعد } موضوع لمن يخلف غائباً في مكانه أو في عمله ، فشبه ترك الله الضالَّ في ضلاله بغيبة الولي الذي يترك مولاه دون وصي ولا وكيل لمولاه وتقدم في قوله تعالى { فبأي حديث بعده يؤمنون } في سورة الأعراف 185 وقوله { فماذا بعد الحق إلا الضلال } في سورة يونس 32 . و { من } زائدة للتوكيد . ومن مواضع زيادتها أن تزاد قبل الظروف غيرِ المتصرفة قال الحريري « وما منصوب على الظرف لا يخفضه سوى حرف » . { وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } . عطف على جملة { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } ، وهذا تفصيل وبيان لما أجمل في الآيتين المعطوف عليهما وهما قوله { ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص } الشورى 35 ، وقوله { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } . والمعنى أنهم لا يجدون محيصاً ولا ولياً ، فلا يجدون إلا الندامة على ما فات فيقولُوا { هل إلى مرد من سبيل } . والاستفهام بحرف { هل } إنكاري في معنى النفي ، فلذلك أدخلت { مِن } الزائدة على { سبيل } لأنه نكرة في سياق النفي . والمَرَد مصدر ميمي للردّ ، والمراد بالرد الرجوع ، يقال رده ، إذا أرجعه . ويجوز أن يكون { مَرَد } بمعنى الدفع ، أي هل إلى ردّ العذاب عنا الذي يبدو لنا سبيلٌ حتى لا نقع فيه ، فهو في معنى { إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع } في سورة الطور 7 - 8 . والخطاب في { ترى } لغير معيّن ، أي تناهت حالهم في الظهور فلا يختص به مخاطب ، أو الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم تسليةً له على ما لاقاه منهم من التكذيب . والمقصودُ الإخبار بحالهم أولاً ، والتعجيب منه ثانياً ، فلم يقل والظالمون لما رأوا العذاب يقولون ، وإنما قيل { وترى الظالمين } للاعتبار بحالهم . ومجيء فعل { رأوا العذاب } بصيغة الماضي للتنبيه على تحقيق وقوعه ، فالمضي مستعار للاستقبال تشبيهاً للمستقبل بالماضي في التحقق ، والقرينة فعل { ترى } الذي هو مستقبل إذ ليست الرؤية المذكورة بحاصلة في الحال فكأنه قيل لما يَرون العذاب . وجملة { يقولون } حال من { الظالمين } أي تراهم قائلين ، فالرؤية مقيدة بكونها في حال قولهم ذلك ، أي في حال سماع الرائي قولهم .