Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 40-42)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الجملة تتنزل من التي قبلها منزلة النتيجة من الاستدلال ولذلك لم تعطف ، والمعنى فيوم الفصل ميقاتهم إعلاماً لهم بأن يوم القضاء هو أجَل الجزاء ، فهذا وعيد لهم وتأكيد الخبر لرد إنكارهم . و { يوم الفصل } هو يوم الحكم ، لأنه يفصل فيه الحق من الباطل وهو من أسماء يوم القيامة قال تعالى { لأيّ يوم أُجِّلَت ليوم الفصل } المرسلات 12 ، 13 . والميقات اسم زمان التوقيت ، أي التأجيل ، قال تعالى { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } النبإ 17 ، وتقدم عند قوله تعالى { قل هي مواقيت للناس والحجّ } في سورة البقرة 189 وحذف متعلق الميقات لظهوره من المقام ، أي ميقات جزائهم . وأضيف الميقات إلى ضمير المخبر عنهم لأنهم المقصود من هذا الوعيد وإلاّ فإن يوم الفصل ميقات جميع الخلق مؤمنيهم وكفارهم . والتأكيد بـ { أجمعين } للتنصيص على الإحاطة والشمول ، أي ميقات لجزائهم كلهم لا يفلت منه أحد منهم تَقْوِيَةً في الوعيد وتأييساً من الاستثناء . و { يوم لا يغني مولى } بدل من { يوم الفصل } أو عطف بيان . وفتحة { يوم لا يغنى } فتحة إعراب لأن { يوم } أضيف إلى جملة ذات فعل معرب . والمولى القريب والحليف ، وتقدم عند قوله تعالى { وإني خِفتُ الموالي من ورائي } في سورة مريم 5 . وتنكير { مولًى } في سياق النفي لإفادة العموم ، أي لا يغني أحد من الموالي كائناً من كان عن أحد من مواليه كائناً من كان . و { شيئاً } مفعول مطلق لأن المراد { شيئاً } من إغناء . وتنكير { شيئاً } للتقليل وهو الغالب في تنكير لفظ شيء ، كما قال تعالى { وشيءٍ من سِدْرٍ قليلٍ } سبأ 16 . ووقوعه في سياق النفي للعموم أيضاً ، يعني أيَّ إغناء كان في القلة بَلْهَ الإغناء الكثير . والمعنى يوم لا تغني عنهم مواليهم ، فعُدل عن ذلك إلى التعميم لأنه أوسع فائدة إذ هو بمنزلة التذييل . والإغناء الإفادة والنفع بالكثير أو القليل ، وضميرا { ولا هم ينصرون } راجعان إلى ما رجع إلَيْهِ ضمير { أهم خيرٌ } الدخان 37 ، وهو اسم الإشارة من قوله { إن هؤلاء ليقولون } الدخان 34 . والمعنى أنهم لا يغني عنهم أولياؤهم المظنون بهم ذلك ولا ينصرهم مقيَّضون آخرون ليسوا من مواليهم تأخذهم الحمية أو الغيرة أو الشفقة فينصرونهم . والنصر الإعانة على العدوّ وعلى الغالب ، وهو أشد الإغْناء . فعطف { ولا هم ينصرون } على { لا يغني مولى عن مولى شيئاً } زيادة في نفي عدم الإغناء . فمحصل المعنى أنه لا يغني مُوال عن مُواليه بشيء من الإغناء حسب مستطاعه ولا ينصرهم ناصر شديد الاستطاعة هو أقوى منهم يدفع عنهم غلب القوي عليهم ، فالله هو الغالب لا يدفعه غالب . وبُني فعل { ينصرون } إلى المجهول ليعم نفي كل ناصر مع إيجاز العبارة . والاستثناء بقوله { إلا من رحم الله } وقع عقب جملتي { لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون } فحُق بأن يرجع إلى ما يَصلح للاستثناء منه في تينك الجملتين . ولنا في الجملتين ثلاثة ألفاظ تصلح لأن يستثنى منها وهي { مولى } الأولُ المرفوع بفعل { يغني } ، و { مولى } الثاني المجرورُ بحرف { عن } ، وضميرُ { ولا هم ينصرون } ، فالاستثناء بالنسبة إلى الثلاثة استثناء متصل ، أي إلا من رحمه الله من الموالي ، أي فإنه يأذن أن يُشْفَع فيه ، ويأذَن للشافع بأن يَشْفَعَ كما قال تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذِن له } سبإ 23 وقال { ولا يَشْفعون إلا لمن ارتضى } الأنبياء 28 . وفي حديث الشفاعة أنه يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " سَلْ تُعْطَه واشفَعْ تُشَفَّع " . والشفاعة إغناء عن المشفوع فيه . والشفعاء يومئذٍ أولياء للمؤمنين فإن من الشفعاء الملائكَة وقد حكى الله عنهم قولهم للمؤمنين { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } فصلت 31 . وقيل هو استثناء منقطع لأن من رحمه الله ليس داخلاً في شيء قبله مما يدل على أهل المحشر ، والمعنى لكن من رحمه الله لا يحتاج إلى من يُغني عنه أو ينصره وهذا قول الكسائي والفراء . وأسباب رحمة الله كثيرة مرجعها إلى رضاه عن عبده وذلك سِر يعلمه الله . وجملة { إنه هو العزيز الرحيم } استئناف بياني هو جوابٌ مجمل عن سؤال سائل عن تعيين من رحمهُ الله ، أي أن الله عزيز لا يُكرهه أحد على العدول عن مراده ، فهو يرحم من يَرحمه بمحض مشيئته وهو رحيم ، أي واسع الرحمة لمن يشاء من عباده على وفق ما جرى به علمه وحكمته ووعدُه . وفي الحديث " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " .