Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 21-21)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سيقت قصة هود وقومه مساق الموعظة للمشركين الذين كذبوا بالقرآن كما أخبر الله عنهم من أول هذه السورة في قوله { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } الأحقاف 3 مع ما أعقبت به من الحجج المتقدمة من قوله { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله } الأحقاف 4 الذي يقابله قول هود { أن لا تعبدوا إلا الله } ثم قوله { قل ما كنت بِدْعا من الرسل } الأحقاف 9 الذي يقابله قوله { وقد خَلَت النذُر من بين يديه ومن خلفه } ، ذلك كله بالموعظة بحال هود مع قومه . وسيقت أيضاً مساق الحجة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى عناد قومه بذكر مثال لحالهم مع رسولهم بحال عاد مع رسولهم . ولها أيضاً موقع التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم على ما تلقاه به قومه من العناد والبهتان لتكون موعظة وتسلية معا يأخذ كل منها ما يليق به . ولا تجد كلمة أجمع للمعنيين مع كلمة { اذكر } لأنها تصلح لمعنى الذكر اللساني بأن يراد أن يذكر ذلك لقومه ، ولمعنى الذُكر بالضم بأن يتذكر تلك الحالة في نفسه وإن كانت تقدمت له وأمثالها لأن في التذكر مسلاة وإسوة كقوله تعالى { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد } في سورة ص 17 . وكلا المعنيين ناظر إلى قوله آنفاً { قل ما كنت بدعاً من الرسل } فإنه إذا قال لهم ذلك تذكروا ما يعرفون من قصص الرسل مما قصّه عليهم القرآن من قبل وتذكر هو لا محالة أحوال رسل كثيرين ثم جاءت قصة هود مثالاً لذلك . ومشركو مكة إذا تذكروا في حالهم وحال عاد وجدوا الحالين متماثلين فيجدر بهم أن يخافوا من أن يصيبهم مثل ما أصابهم . والاقتصار على ذكر عاد لأنهم أول الأمم العربية الذين جاءهم رسول بعد رسالة نوح العامة وقد كانت رسالة هود ورسالة صالح قبل رسالة إبراهيم عليهم السلام ، وتأتي بعد ذكر قصتهم إشارة إجمالية إلى أمم أخرى من العرب كذبوا الرسل في قوله تعالى { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } الأحقاف 27 الآية . وأخو عاد هو هود وتقدمت ترجمته في سورة الأعراف . وعبّر عنه هنا بوصفه دون اسمه العلَم لأن المراد بالذكر هنا ذكر التمثيل والموعظة لقريش بأنهم أمثال عاد في الإعراض عن دعوة رسول من أمتهم . والأخ يراد به المشارك في نسب القبيلة ، يقولون يا أخا بني فلان ، ويا أخا العرب ، وهو المراد هنا وقد يراد بها الملازم والمصاحب ، يقال أخو الحرب وأخو عزمات . " وقال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة " أنت أخونا ومولانا " وهو المراد في قوله تعالى { كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون } الشعراء 160 ، 161 . ولم يكن لوط من نسب قومه أهل سَدُوم . و { إذْ أنذر } اسم للزمن الماضي ، وهي هنا نصب على البدل من أخا عاد ، أي اذكر زمن إنذاره قومه فهي بدل اشتمال . وذكر الإنذار هنا دون الدعوة أو الارسال لمناسبة تمثيل حال قوم هود بحال قوم محمد صلى الله عليه وسلم فهو ناظر إلى قوله تعالى في أول السورة { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } الأحقاف 3 . والأحقاف جمع حِقْف بكسر فسكون ، وهو الرمل العظيم المستطيل وكانت هذه البلاد المسماة بالأحقاف منازل عاد وكانت مشرفة على البحر بين عمان وعدن . وفي منتهى الأحقاف أرض حضرموت ، وتقدم ذكر عاد عند قوله تعالى { وإلى عاد أخاهم هودا } في سورة الأعراف 65 . وجملة { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } معترضة بين جملة { أنذر } وجملة { أن لا تعبدوا إلا الله } المفسرة بها . وقد فسرت جملة { أنذر } بجملة { لا تعبدوا إلا الله } الخ . وأن تفسيرية لأن { أنذر } فيه معنى القول دون حروفه . ومعنى { خلت النذر } سبقت النذر أي نذر رسل آخرين . والنذر جمع نِذارة بكسر النون . و { من بين يديه ومن خلفه } بمعنى قريباً من زمانه وبعيداً عنه ، فــ { مِن بين يديه } معناه القرب كما في قوله تعالى { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } سبأ 46 ، أي قبل العذاب قريباً منه قال تعالى { وقروناً بين ذلك كثيراً } الفرقان 38 ، وقال { ورسلاً لم نقصصهم عليك } النساء 164 . وأما الذي من خلفه فنوح فقد قال هود لقومه { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } الأعراف 69 ، وهذا مراعاة للحالة المقصود تمثيلها فهو ناظر إلى قوله تعالى { قل ما كنت بِدْعا من الرسل } الأحقاف 9 أي قد خلت من قبله رسل مثل ما خلت بتلك . وجملة { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } تعليل للنهي في قوله { أن لا تعبدوا إلا الله } ، أي إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم بسبب شرككم . وعذاب اليوم العظيم يحتمل الوعيد بعذاب يوم القيامة وبعذاب يوم الاستئصال في الدنيا ، وهو الذي عجّل لهم . ووصف اليوم بالعظم باعتبار ما يحدث فيه من الأحداث العظيمة ، فالوصف مجاز عقلي .