Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 26-26)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا استخلاص لموعظة المشركين بمَثَل عاد ، ليعلموا أن الذي قدَر على إهلاك عاد قادر على إهلاك مَن هم دونهم في القوة والعدد ، وليعلموا أن القوم كانوا مثلهم مستجمعين قوى العقل والحسّ وأنهم أهملوا الانتفاع بقواهم فجحدوا بآيات الله واستهزؤوا بها وبوعيده فحاق بهم ما كانوا يستهزئون به ، وقريش يعلمون أن حالهم مثل الحال المحكيّة عن أولئك فليتهيّأوا لما سيحلّ بهم . ولإفادة هذا الاستخلاص غُيّر أسلوب الكلام إلى خطاب المشركين من أهل مكة ، فالجملة في موضع الحال من واو الجماعة في { قالوا أجئتنا } الأحقاف 22 والخبر مستعمل في التعجيب من عدم انتفاعهم بمواهب عقولهم . وتأكيد هذا الخبر بلام القسم مع أن مفاده لا شك فيه مصروف إلى المبالغة في التعجيب . والتمكين إعطاء المَكِنة بفتح الميم وكسر الكاف وهي القدرة والقوة . يقال مكُن من كذا وتمكن منه ، إذا قدر عليه . ويقال مكَّنه في كذا ، إذا جعل له القدرة على مدخول حرف الظرفية فيفسر بما يليق بذلك الظرف قال تعالى { مكنّاهم في الأرض ما لم نمكن لكم } في سورة الأنعام 6 . فالمعنى جعلنا لهم القدرة في الذي لم نمكنكم فيه ، أي من كل ما يمكّن فيه الأقوام والأمم ، وتقدم عند قوله تعالى { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكَّنَّاهم في الأرض } في أول الأنعام 6 فضمّ إليه ما هنا . و ما من قوله فيما موصولة . و { إن } نافية ، أي في الذي ما مَكَّناكم فيه . ومعنى مكناكم فيه مكناكم في مثله أو في نوعه فإن الأجناس والأنواع من الذوات حقائق معنوية لا تتغير مواهبها وإنما تختلف بوجودها في الجزئيات ، فلذلك حسن تعدية فعل { مكناكم } بحرف الظرفية إلى ضمير اسم الموصول الصادق على الأمور التي مُكنت منها عاد . ومن بديع النظم أن جاء النفي هنا بحرف { إنْ } النافية مع أنَّ النفي بها أقل استعمالا من النفي بــ ما النافية قصداً هنا لدفع الكراهة من توالي مثلين في النطق وهما ما الموصولة و ما النافية وإن كان معناهما مختلفاً ، ألا ترى أن العرب عوضوا الهاء عن الألف في مهما ، فإن أصلها ما ما مركبة من ما الظرفية و ما الزائدة لإفادة الشرط مثل أينما . قال في « الكشاف » ولقد أغَثَّ أبو الطيب في قوله @ لعمرك مَا مَا بَان منك لِضَاربٍ @@ وأقول ولم يتعقب ابن جنّي ولا غيره ممّن شرح الديوان من قبل على المتنبي وقد وقع مثله في ضرورات شعر المتقدمين كقول خطام المجاشعي @ وَصَاليات كَكَمَا يُؤثفَيْنْ @@ ولا يغتفر مثله للمولدين . فأما إذا كانت ما نافية وأراد المتكلم تأكيدها تأكيداً لفظياً ، فالإتيان بحرف إنْ بعد ما أحرى كما في قول النابغة @ رماد ككحل العين ما إنْ أبينُه ونؤيٌ كجذم الحوض أثلم خاشع @@ وفائدة قوله { وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة } أنهم لم ينقصهم شيء من شأنه أي يخلّ بإدراكهم الحق لولا العناد ، وهذا تعريض بمشركي قريش ، أي أنكم حرمتم أنفسكم الانتفاع بسمعكم وأبصاركم وعقولكم كما حُرموه ، والحالة متحدة والسبب متّحد فيوشك أن يكون الجزاء كذلك . وإفراد السمع دون الأبصار والأفئدة للوجه الذي تقدم في قوله { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } في سورة الأنعام 46 وقوله { أمَّن يملك السمع والأبصار } في سورة يونس 31 . و { مِن } في قوله { من شيء } زائدة للتنصيص على انتفاء الجنس فلذلك يكون { شيء } المجرور بــ { من } الزائدة نائباً عن المفعول المطلق لأن المراد بشيء من الإغناء ، وحق { شيء } النصب وإنما جُرّ بدخول حرف الجر الزائد . و { إذْ } ظرف ، أي مدة جحودهم وهو مستعمل في التعليل لاستواء مؤدى الظرف ومؤدى التعليل لأنه لما جعل الشيء من الإغناء معلقاً نفيُه بزمان جحدهم بآيات الله كما يستفاد من إضافة { إذْ } إلى الجملة بعدها ، عُلم أن لذلك الزمان تأثيراً في نفي الإغناء . وآيات الله دلائل إرادته من معجزات رسولهم ومن البراهين الدالة على صدق ما دعاهم إليه . وقد انطبق مثالهم على حال المشركين فإنهم جحدوا بآيات الله وهي آيات القرآن لأنها جَمَعت حقيقة الآيات بالمعنيين . وحاق بهم أحاط بهم { وما كانوا به يستهزئون } العذاب ، عدل عن اسمه الصريح إلى الموصول للتنبيه على ضلالهم وسوء نظرهم .