Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 3-3)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما كان من أهم ما جاء به القرآن إثباتُ وحدانية الله تعالى ، وإثباتُ البعث والجزاء ، لتوقف حصول فائدة الإنذار على إثباتهما ، جُعِل قوله { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } الأحقاف 2 تمهيداً للاستدلال على إثبات الوحدانية والبعث والجزاء ، فجُعل خلق السماوات والأرض محل اتفاق ، ورتب عليه أنه ما كان ذلك الخَلق إلا ملابساً للحق ، وتقتضي ملابسته للحق أنه لا يكون خلْقاً عبثاً بل هو دال على أنه يعقبه جزاء على ما يفعله المخلوقون . واستثناءُ { بالحق } من أحوال عامة ، أي ما خلقناهما إلا في حالة المصاحبة للحق . وقوله { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } في موضع الحال من الضمير المقدر في متعلّق الجار والمجرور من قوله { بالحق } ، فيكون المقصود من الحال التعجيب منهم وليس ذلك عطفاً لأن الإخبار عن الذين كفروا بالإعراض مستغنى عنه إذ هو معلوم ، والتقدير إلا خلقاً كائناً بملابسة الحق في حال إعراض الذين كفروا عما أنذروا به مما دل عليه الخلق بالحق . وصاحب الحال هو { السماوات والأرض } ، والمعنى ما خلقناهما إلا في حالة ملابسة الحق لهما وتعيين أجل لهما . وإعراض الذين كفروا عما أنذروا به من آيات القرآن التي تذكرهم بما في خلق السماوات والأرض من ملابسة الحق . وعطف { وأجل مسمى } على { بالحق } ، عطفُ الخاص على العام للاهتمام به كعطف جبريل وميكائيل على ملائكته في قوله تعالى { وملائِكتهِ ورسله وجبريل وميكال } في سورة البقرة 98 لأن دلالة الحدوث على قبول الفناء دلالة عقلية فهي ممّا يقتضيه الحق ، وأن تعرض السماوات والأرض للفناء دليل على وقوع البعث لأن انعدام هذا العالم يقتضي بمقتضى الحكمة أن يخلفه عالم آخر أعظم منه ، على سنة تدرج المخلوقات في الكمال ، وقد كان ظن الدهريين قدمَ هذا العالم وبقاءَه أكبر شبهة لهم في إنكارهم البعث { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيَا وما يُهلكنا إلا الدهر } الجاثية 24 . فالدهر عندهم متصرف وهو باق غير فان ، فلو جوزوا فناء هذا العالم لأمكن نزولهم إلى النظر في الأدلة التي تقتضي حياة ثانية . فجملة { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } مرتبطة بالاستثناء في قوله { إلا بالحق } ، أي هم معرضون عما أنذروا به من وعيد يوم البعث . وحذف العائد من الصلة لأنه ضمير منصوب بــ { أنذروا } . والتقدير عما أنذروه معرضون . ويجوز أن تكون { ما } مصدرية فلا يقدر بعدها ضمير . والتقدير عن إنذارهم معرضون فشمل كل إنذار أنذروه . وتقديم { عما أنذروا } على متعلقه وهو { معرضون } للاهتمام بما أنذروا ويتبع ذلك رعاية الفاصلة .