Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 8-8)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمّا ذكّرهم بالنَعمة عقّب ذلك بطلب الشكر للمنعم والطاعة له ، فأقبل على خطابهم بوصف الإيمان الذي هو منبع النعم الحاصلة لهم . فالجملة استئناف نشأ عن ترقّب السامعين بعد تعداد النعم . وقد تقدّم نظير هذه الآية في سورة النساء ، ولكن آية سورة النساء 135 تقول { كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله } وما هنا بالعكس . ووجه ذلك أنّ الآية الّتي في سورة النّساء وردت عقب آيات القضاء في الحقوق المبتدأة بقوله { إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك الله } النساء 105 ، ثمّ تعرّضت لقضية بني أبيرق في قوله { ولا تَكُن للخائنين خصيماً } النساء 105 ، ثمّ أردفت بأحكام المعاملة بين الرّجال والنّساء ، فكان الأهمّ فيها أمرَ العدل فالشهادةِ . فلذلك قدّم فيها { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } النساء 135 فالقسط فيها هو العدل في القضاء ، ولذلك عدّي إليه بالباء ، إذ قال { كونوا قوامين بالقسط } النساء 135 . وأمّا الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها فهي واردة بعد التذكير بميثاق الله ، فكان المقام الأوّل للحصّ على القيام لله ، أي الوفاء له بعهودهم له ، ولذلك عدّي قوله { قوّامين } باللام . وإذ كان العهد شهادة أتبع قولُه { قوّامين لله } بقوله { شهداء بالقسط } ، أي شهداء بالعدل شهادة لا حيف فيها ، وأولَى شهادة بذلك شهادتهم لله تعالى . وقد حصل من مجموع الآيتين وجوب القيام بالعدل ، والشهادة به ، ووجوب القيام لله ، والشهادة له . وتقدّم القول في معنى { ولا يجرمنَّكم شنئان قوم } قريباً ، ولكنّه هنا صرّح بحرف على وقد بيّناه هنالك . والكلام على العدل تقدّم في قوله { وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل } النساء 58 . والضمير في قوله { هو أقرب } عائد إلى العدل المفهوم من { تعدلوا } ، لأنّ عود الضمير يُكتفى فيه بكلّ ما يفهم حتّى قد يعودُ على ما لا ذكر له ، نحو { حتّى توارتْ بالحجاب } ص 32 . على أنّ العرب تجعل الفعل بمعنى المصدر في مراتب المرتبة الأولى أن تدخُل عليه أن المصدرية . الثّانية أن تُحذف أن المصدريّة ويبقى النصب بها ، كقول طرفة @ ألا أيّهذَا الزاجري أحْضُرَ الوغى وأن أشهدَ اللذاتِ هَلْ أنت مُخلدي @@ بنصب أحضرُ في رواية ، ودلّ عليه عطف وأن أشهد . الثّالثة أن تُحذف أن ويُرفع الفعل عملاً على القرينة ، كما روي بيت طرفة أحضرُ برفع أحضرُ ، ومنه قول المثل تَسْمَعُ بالمعيدي خير من أن تراه ، وفي الحديث " تحمل لأخِيك الركابَ صدقة " الرابعة عود الضمير على الفعل مراداً به المصدر ، كما في هذه الآية . وهذه الآية اقتصر عليها النحاة في التمثيل حتّى يخيّل للنّاظر أنّه مثال فَذٌّ في بابه ، وليس كذلك بل منه قوله تعالى { وينذر الّذين قالوا اتّخذ الله ولداً } الكهف 4 . وأمثلته كثيرة منها قوله تعالى { ما لهم به من علم } الكهف 5 ، فضمير { به } عائد إلى القول المأخوذ من { قالوا } ، ومنه قوله تعالى { ذلك ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه } الحج 30 ، فضمير { فهو } عائد للتعظيم المأخوذ من فعل { يعظّم } ، وقول بشّار @ واللَّه ربّ محمَّد مَا إن غَدَرْت ولا نوَيتُه @@ أي الغدر . ومعنى { أقرب للتقوى } أي للتقوى الكاملة الّتي لا يشذّ معها شيء من الخير ، وذلك أنّ العدل هو ملاك كبح النّفس عن الشهوة وذلك ملاك التّقوى .