Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 24-24)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { يتنازعون فيها كأساً } الطور 23 فهو من تمامه وواقع موقع الحال مثله ، وجيء به في صيغة المضارع للدلالة على التجدد والتكرر ، أي ذلك لا ينقطع بخلاف لذات الدنيا فإنها لا بد لها من الانقطاع بنِهايات تنتهي إليها فتُكرَّه لأصحابها الزيادةُ منها مثللِ الغَوْل ، والإِطباق ، ووجع الأمعاء في شرب الخمر ومثل الشبع في تناول الطعام وغير ذلك من كل ما يورث العجز عن الازدياد عن اللذة ويجعل الازدياد ألماً . ولم يستثن من ذلك إلا لذات المعارف ولذات المناظر الحسنة والجمال . ولما أشعر فعل { يطوف } بأن الغلمان يناولونهم ما فيه لذاتهم كان مشعراً بتجدد المناولة وتجدد الطواف وقد صار كل ذلك لذة لا سآمة منها . والطواف مشي متكرر ذهاباً ورجوعاً وأكثر ما يكون على استدارة ، ومنه طواف الكعبة ، وأهل الجاهلية بالأصنام ولأجله سمي الصنم دواراً لأنهم يدورون به . وسمي مشي الغلمان بينهم طوافاً لأن شأن مجالس الأحبة والأصدقاء أن تكون حلقاً ودوائر ليستووا في مرآهم كما أشار إليه قوله تعالى في سورة الصافات 44 { على سرر متقابلين } ومنه جعلت مجالس الدروس حلقاً وكانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم حلقاً . وقد أطلق على مناولة الخمر إدارة فقيل أدارت الحارثة الخمر ، وهذا الذي يناول الخمر المدير . وترك ذكر متعلق { يطوف } لظهوره من قوله { يتنازعون فيها كأساً } وقوله { وأمددناهم بفاكهة } الطور 22 ودل عليه قوله تعالى { يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب } الزخرف 71 وقوله { يُطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين } الصافات 45 ، 46 فلما تقدم ذكر ما شأنه أن يطاف به هنا ترك ذكره بعد فعل { يطاف } بخلاف ما في الآيتين الأخريين . والغلمان جمع غلام ، وحقيقته من كان في سنّ يقارب البلوغ أو يبلغه ، ويطلق على الخادم لأنهم كانوا أكثر ما يتخذون خَدمهم من الصغار لعدم الكلفة في حركاتهم وعدم استثقال تكليفهم ، وأكثر ما يكونون من العبيد ومثله إطلاق الوليدة على الأمة الفتية كأنها قريبة عهد بولادة أمها . فمعنى قوله { غلمان لهم } خدمة لهم . وعبر عنهم بالتنكير وتعليق لام الملك بضمير { الذين آمنوا } دون الإِضافة التي هي على تقدير اللام لما في الإِضافة من معنى تعريف المضاف بالانتساب إلى المضاف إليه عند السامع من قَبل . وليس هؤلاء الغلمان بمملوكين للمؤمنين ولكنهم مخلوقون لخدمتهم خلقهم الله لأجلهم في الجنة قال تعالى { ويطوف عليهم ولدان مخلدون } الإنسان 19 وهذا على نحو قوله تعالى { بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } الإسراء 5 أي صنف من عبادنا غير معروفين للناس . وشبهوا باللؤلؤ المكنون في حسن المرأى . واللؤلؤ الدُرّ . والمكنون المخزون لنفاسته على أربابه فلا يتحلى به إلا في المحافل والمواكب فلذلك يبقى على لمعانه وبياضه .