Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 35-36)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ } . إضراب انتقالي إلى إبطال ضرب آخر من شبهتهم في إنكارهم البعث ، وقد علمت في أول السورة أن من أغراضها إثبات البعث والجزاءِ على أن ما جاء بعده من وصف يوم الجزاء وحال أهله قد اقتضته مناسبات نشأت عنها تلك التفاصيل ، فإذْ وُفّي حقُّ ما اقتضته تلك المناسبات ثُنِي عِنان الكلام إلى الاستدلال على إمكان البعث وإبطال شبهتهم التي تعللوا بها من نحو قولهم { أإذا كنا عظاماً ورفاتاً أإنا لمبعوثون خلقاً جديداً } الإسراء 49 . فكان قوله تعالى { أم خلقوا من غير شيء } الآيات أدلةً على أن ما خلقه الله من بَدْء الخلق أعظم من إعادة خلق الإِنسان . وهذا متصل بقوله آنفاً { إن عذاب ربك لواقع } الطور 7 لأن شبهتهم المقصود ردها بقوله إن عذاب ربك لواقع هي قولهم { أإذا كنا عظاماً ورفاتاً أإنا لمبعوثون } الإسراء 49 ، ونحو ذلك . فحرف مِن في قوله { من غير شيء } يجوز أن يكون للابتداء ، فيكون معنى الاستفهام المقدر بعد أم تقريرياً . والمعنى أيقرُّون أنهم خلقوا بعد أن كانوا عَدماً فكلما خلقوا من عدم في نشأتهم الأولى يُنْشأون من عدم في النشأة الآخرة ، وذلك إثبات لإِمكان البعث ، فيكون في معنى قوله تعالى { فلينظر الإنسان ممَّ خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر } الطارق 5 ـــ 8 وقوله { كما بدأنا أول خلق نعيده } الأنبياء 104 ونحو ذلك من الآيات . ومعنى { شيء } على هذا الوجه الموجودُ فغير شَيء المعدومُ ، والمعنى اخُلقوا من عدم . ويجوز أن تكون مِن للتعليل فيكون الاستفهام المقدر بعد أم إنكارياً ، ويكون اسم { شيء } صادقاً على ما يصلح لمعنى التعليل المستفاد من حرف مِن التعليلية ، والمعنى إنكار أن يكون خلقهم بغير حكمة ، وهذا إثبات أن البعث واقع لأجل الجزاء على الأعمال ، بأن الجزاء مقتضى الحكمة التي لا يخلو عنها فعل أحكم الحكماء ، فيكون في معنى قوله تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } المؤمنون 115 وقوله { ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية } الحجر 85 . ولحرف مِن في هذا الكلام الوَقْع البديع إذ كانت على احتمال معنييها دليلاً على إمكان البعث وعلى وقوعه وعلى وجوب وقوعه وجوباً تقتضيه الحكمة الإِلهية العليا . ولعل العدول عن صوغ الكلام بالصيغة الغالبة في الاستفهام التقريري ، أعني صيغة النفي بأن يقال أما خلقوا من غير شيء والعدولَ عن تعيين ما أضيف إليه { غَير } إلى الإِتيان بلفظٍ مبهم وهو لفظ شيء ، روعي فيه الصلاحية لاحتمال المعنيين وذلك من منتهى البلاغة . وإذ كان فرض أنهم خلقوا من غير شيء واضح البطلان لم يحتج إلى استدلال على إبطاله بقوله { أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْض } . وهو إضراب انتقال أيضاً ، والاستفهام المقدر بعد { أم } إنكاري ، أي ما هم الخالقون وإذ كانوا لم يدّعوا ذلك فالانكار مرتب على تنزيلهم منزلة من يزعمون أنهم خالقون . وصيغت الجملة في صيغة الحصر الذي طريقهُ تعريف الجُزأَيْن قصراً إضافياً للرد عليهم بتنزيلهم منزلة من يزعم أنهم الخالقون لا الله ، لأنهم عدُّوا من المحال ما هو خارج عن قدرتهم ، فجعلوه خارجاً عن قدرة الله ، فالتقدير أم هم الخالقون لا نحن . والمعنى نحن الخالقون لا هم . وحذف مفعول { الخالقون } لقصد العموم ، أي الخالقون للمخلوقات وعلى هذا جرى الطبري وقدره المفسرون عدا الطبري أم هم الخالقون أنفسَهم كأنهم جعلوا ضمير { أم خلقوا من غير شيء } دليلاً على أن المحذوف اسم مَعاد ذلك الضمير ولا افْتراء في انتفاء أن يكونوا خالقين ، فلذلك لم يُتصدّ إلى الاستدلال على هذا الانتفاء . وجملة { أم خلقوا السمٰوات والأرض } يظهر لي أنها بدل من جملة { أم هم الخالقون } بدلَ مفصَّل من مُجمل إن كان مفعول { الخالقون } المحذوفُ مراداً به العمومُ وكان المراد بالسماء والأرضِ ذاتيهما مع من فيهما ، أو بَدل بعض من كل أن المراد ذاتي السماوات والأرض ، فيكون تخصيص السماوات والأرض بالذكر لعظم خلقهما . وإعادة حرف { أم } للتأكيد كما يُعاد عامل المبدَل منه فِي البدل ، والمعنى أم هم الخالقون للسماوات والأرض . والاستفهام إنكاري والكلام كناية عن إثبات أن الله خالق السماوات والأرض . والمعنى أن الذي خلق السماوات والأرض لا يُعجزه إعادة الأجساد بعد الموت والفناء . وهذا معنى قوله تعالى { أو لم يروا أن اللَّه الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم } الإسراء 99 أي أن يخلق أمثال أجسادهم بعد انعدامهم . { بَل لاَّ يُوقِنُون } . إضراب إبطال على مضمون الجملتين اللتين قبله ، أي لم يُخلقوا من غير شيء ولا خَلقوا السماوات والأرض ، فإن ذلك بينّ لهم فما إنكارهم البعث إلا ناشىء عن عدم إيقانهم في مظانّ الإِيقان وهي الدلائل الدالة على إمكان البعث وأنه ليس أغرب من إيجاد المخلوقات العظيمة ، فما كان إنكارهم إياه إلا عن مكابرة وتصميم على الكفر . والمعنى أن الأمر لا هَذا ولا ذلك ولكنهم لا يُوقنون بالبعث فهم ينكرونه بدون حجة ولا شبهة بل رانَتْ المكابرة على قلوبهم .