Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 10-14)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تفريع على { كذبت قبلهم قوم نوح } القمر 9 وما تفرع عليه . والمغلوب مجاز ، شبه يأسه من إجابتهم لدعوته بحال الذي قاتل أو صارع فغلبه مقاتله ، وقد حكى الله تعالى في سورة نوح كيف سلك مع قومه وسائل الإقناع بقبول دعوته فأعيته الحيل . و { أنى } بفتح الهمزة على تقدير باء الجر محذوفة ، أي دعا بأني مغلوب ، أي بمضمون هذا الكلام في لغته . وحذف متعلق { فانتصر } للإِيجاز وللرعي على الفاصلة والتقدير فانتصر لي ، أي انصرني . وجملة { ففتحنا أبواب السماء } إلى آخرها مفرعة على جملة { فدعا ربه } ، ففهم من التفريع أن الله استجاب دعوته وأن إرسال هذه المياه عقاب لقوم نوح . وحاصل المعنى فأرسلنا عليهم الطوفان بهذه الكيفية المحكمة السريعة . وقرأ الجمهور { ففتحنا } بتخفيف التاء . وقرأه ابن عامر بتشديدها على المبالغة . والفتح بمعنى شدة هطول المطر . وجملة { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } مركب تمثيلي لهيئة اندفاق الأمطار من الجو بهيئة خروج الجماعات من أبواب الدار على طريقة @ وسالتْ بأعناق المطيّ الأباطح @@ والمنهمر المنصب ، أي المصبوب يقال عمرَ الماء إذا صبه ، أي نازل بقوة . والتفجير إسالة الماء ، يقال تفجر الماء ، إذا سال ، قال تعالى { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } الإسراء 90 . وتعدية { فجّرنا } إلى اسم الأرض تعدية مجازية إذ جعلت الأرض من كثرة عيونها كأنها عين تتفجر . وفي هذا إجمال جيء من أجله بالتمييز له بقوله { عيوناً } لبيان هذه النسبة ، وقد جعل هذا ملحقاً بتمييز النسبة لأنه محول عن المفعول إذ المعنى وفجرنا عيون الأرض ، وهو مثل المحول عن الفاعل في قوله تعالى { واشتعل الرأس شيباً } مريم 4 ، أي شيب الرأس إذ لا فرق بينهما ، ونكتة ذلك واحدة . قال في « المفتاح » « إسناد الاشتعال إلى الرأس لإِفادة شُمول الاشتعالِ الرأسَ إذ وزان اشتعل شيبُ الرأس ، واشتعل الرأس شيباً وزان اشتعلت النار في بيتي واشتعل بيتي ناراً » اهـــــ . والتقاء الماء تجمع ماءِ الأمطار مع ماء عيون الأرض فالإلتقاء مستعار للاجتماع ، شبه الماء النازل من السماء والماء الخارج من الأرض بطائفتين جاءت كل واحدة من مكان فالتقتا في مكان واحد كما يلتقي الجيشان . والتعريف في { الماء } للجنس . وعلم من إسناد الإلتقاء أنهما نوعان من الماء ماء المطر وماء العيون . و { على } من قوله { على أمر } يجوز أن تكون بمعنى في كقوله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } القصص 15 ، وقول الفرزدق @ على حالةٍ لو أن في البحر حاتماً على جوده لضنَّ بالماء حاتم @@ والظرفية مجازية . ويجوز أن تكون { على } للاستعلاء المجازي ، أي ملابساً لأمر قد قدر ومتمكناً منه . ومعنى التمكن شدة المطابقة لما قُدر ، وأنه لم يحد عنه قيد شَعَرة . والأمر الحال والشأن وتنوينه للتعظيم . ووصف الأمر بأنه { قد قُدر } ، أي أتقن وأحكم بمقدار ، يقال قدَره بالتخفيف إذا ضبطه وعينه كما قال تعالى { إنا كل شيء خلقناه بقدر } القمر 49 ومحل { على أمر } النصب على الحال من الماء . واكتفي بهذا الخبر عن بقية المعنى ، وهو طغيان الطوفان عليهم اكتفاء بما أفاده تفريع { ففتحنا أبواب السماء } كما تقدم انتقالاً إلى وصف إنجاء نوح من ذلك الكرب العظيم ، فجملة { وحملناه } معطوفة على التفريع عطف احتراس . والمعنى فأغرقناهم ونجَّيْناه . و { ذات ألواح ودُسُر } صفة السفينة ، أقيمت مقام الموصوف هنا عوضاً عن أن يقال وحملناه على الفلك لأن في هذه الصفة بيان متانة هذه السفينة وإحكام صنعها . وفي ذلك إظهار لعناية الله بنجاة نوح ومن معه فإن الله أمره بصنع السفينة وأوحى إليه كيفية صنعها ولم تكن تعرف سفينة قبلها ، قال تعالى { وأُوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا } هود 36 ، 37 ، وعادة البلغاء إذا احتاجوا لذكر صفة بشيء وكان ذكرها دالاً على موصوفها أن يستغنوا عن ذكر الموصوف إيجازاً كما قال تعالى { أن اعمَل سابغاتٍ } سبأ 11 ، أي دُروعاً سابغات . والحمل رفع الشيء على الظهر أو الرأس لنقله { وتحمل أثقالكم } النحل 7 وله مجازات كثيرة . والألواح جمع لوح ، وهو القطعة المسوّاة من الخشب . والدسر جمع دِسار ، وهو المسمار . وعدي فعل حملنا إلى ضمير نوح دون من معه من قومه لأن هذا الحمل كان إجابة لدعوته ولنصره فهو المقصود الأول من هذا الحمل ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى { فأنجيناه والذين معه برحمة منا } الأعراف 72 وقوله { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } المؤمنون 28 ونحوه من الآيات الدالة على أنه المقصود بالإنجاء وأن نجاة قومه بمعيته ، وحسبك قوله تعالى في تذييل هذه الآية { جزاء لمن كان كُفِر } فإن الذي كان كُفِر هو نوح كفر به قومه . و { على } للاستعلاء المجازي وهو التمكن كقوله تعالى { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } ، وإلا فإن استقراره في السفينة كائن في جوفها كما قال تعالى { إنا لما طغا الماءُ حملناكم في الجارية } الحاقة 11 { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } هود 40 . والباء في { بأعيننا } للملابسة . والأعين جمع عين بإطلاقه المجازي ، وهو الاهتمام والعناية ، كقول النابغة @ علمْتك ترعاني بعين بصيرة @@ وقال تعالى { فإنك بأعيننا } الطور 48 . وجُمع العين لتقوية المعنى لأن الجمع أقوى من المفرد ، أي بحراسات منّا وعنايات . ويجوز أن يكون الجمع باعتبار أنواع العنايات بتنوع آثارها . وأصل استعمال لفظ العين في مثله تمثيل بحال الناظر إلى الشيء المحروس مثل الراعين كما يقال للمسافر « عين الله عليك » ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فجمع بذلك الاعتبار . وتقدم في سورة هود . و { جزاء } مفعول لأجله لــــ { فتحنا } وما عُطف عليه ، أي فعلنا ذلك كله جزاء لنوح . و { من كان كُفِر } هو نوح فإن قومه كَفَروا به ، أي لم يؤمنوا بأنه رسول وكان كفرهم به منذ جاءهم بالرسالة فلذلك أقحم هنا فعل { كان } ، أي لمن كُفِر منذ زمان مضى وذلك ما حكي في سورة نوح 5 بقوله { قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً } إلى قوله في سورة نوح 8 - 9 { ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إنِّي أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً } وحذف متعلق كفر لدلالة الكلام عليه . وتقديره كفر به ، أو لأنه نصح لهم ولقي في ذلك أشد العناء فلم يشكروا له بل كفروه فهو مكفور فيكون من باب قوله تعالى { ولا تكفرون } البقرة 152 .