Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 13-13)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفاء للتفريع على ما تقدم من المنن المدمجة مع دلائل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وحقّية وَحي القرآن ، ودلائل عظمة الله تعالى وحكمته باستفهام عن تعيين نعمة من نعم الله يتأتى لهم إنكارها ، وهو تذييل لما قبله . وأيِّ استفهام عن تعيين واحد من الجنس الذي تضاف إليه وهي هنا مستعملة في التقرير بذكر ضِدّ ما يقربه مثل قوله { ألم نشرح لك صدرك } الشرح 1 . وقد بينته عند قوله تعالى { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } في سورة الأنعام 130 ، أي لا يستطيع أحد منكم أن يجحد نعم الله . والآلاء النعم جمع إلْي بكسر الهمزة وسكون اللام ، وأَلْي بفتح الهمزة وسكون اللام وياء في آخره ويقال أَلْوُ بواو عوض الياء وهو النعمة . وضمير المثنى في { ربكما تكذبان } خطاب لفريقين من المخاطبين بالقرآن . والوجه عندي أنه خطاب للمؤمنين والكافرين الذين ينقسم إليهما جنس الإِنسان المذكور في قوله { خلق الإنسان } الرحمٰن 3 وهم المخاطبون بقوله { ألا تطغوا في الميزان } الرحمٰن 8 الآية والمنقسم إليهما الأنام المتقدم ذكره ، أي أن نعم الله على الناس لا يجحدها كافر بَلْهَ المؤمن ، وكل فريق يتوجه إليه الاستفهام بالمعنى الذي يناسب حاله . والمقصود الأصلي التعريض بالمشركين وتوبيخهم على أن أشركوا في العبادة مع المنعِم غيرَ المنعِم ، والشهادةُ عليهم بتوحيد المؤمنين ، والتكذيب مستعمل في الجحود والإِنكار . وقيل التثنية جرت على طريقة في الكلام العربي أن يخاطبوا الواحد بصيغة المثنى كقوله تعالى { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد } ق 24 ذكر ذلك الطبري والنسفي . ويجوز أن تكون التثنية قائمة مقام تكرير اللفظ لتأكيد المعنى مثل لَبيك وسعديك ، ومعنى هذا أن الخطاب لواحد وهو الإنسان . وقال جمهور المفسرين هو خطاب للإنس والجن ، وهذا بعيد لأن القرآن نزل لخطاب الناس ووعظهم ولم يأت لخطاب الجن ، فلا يتعرض القرآن لخطابهم ، وما ورد في القرآن من وقوع اهتداء نفر من الجن بالقرآن في سورة الأحقاف وفي سورة الجن يحمل على أن الله كلّف الجن باتباع ما يتبين لهم في إدراكهم ، وقد يُكلف الله أصنافاً بما هم أهل له دون غيرهم ، كما كلّف أهل العلم بالنظر في العقائد وكما كلّفهم بالاجتهاد في الفروع ولم يكلف العامة بذلك ، فما جاء في القرآن من ذكر الجن فهو في سياق الحكاية عن تصرفات الله فيهم وليس لتوجيه العمل بالشريعة . وأما ما رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله الأنصاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمٰن وهم ساكتون فقال لهم « لقد قرأتُها على الجن ليلةَ الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم ، كنت كلما أتيت على قوله { فبأي ألاء ربكما تكذبان } قالوا لا بشيء من نِعمك ربَّنا نكذب فلك الحمد » " . قال الترمذي هو حديث غريب وفي سنده زهير بن محمد وقد ضعفه البخاري وأحمد بن حنبل . وهذا الحديث لو صح فليس تفسيراً لضمير التثنية لأن الجن سمعوا ذلك بعد نزوله فلا يقتضي أنهم المخاطبون به وإنما كانوا مقتدين بالذين خاطبهم الله ، وقيل الخطاب للذكور والإِناث وهو بعيد . والتكذيب مستعمل في معنى الجحد والإِنكار مجازاً لتشنيع هذا الجحد . وتكذيب الآلاء كناية عن الإِشراك بالله في الإِلهية . والمعنى فبأي نعمة من نعم الله عليكم تنكرون أنها نعمة عليكم فأشركتم فيها غيره بَلْه إنكار جميع نعمه إذ تعبدون غيره دواماً .