Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 65-67)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { لو نشاء لجعلناه حطاماً } ، موقعها كموقع جملة { نحن قدّرنا بينكم الموت } الواقعة 60 في أنها استدلال بإفنائه ما أوجده على انفراده بالتصرف إيجاداً وإعداماً ، تكملة لدليل إمكان البعث . واللام في قوله { لجعلناه } مفيدة للتأكيد . ويكثر اقتران جواب لو بهذه اللام إذا كان ماضياً مثبتاً كما يكثر تجرده عنها كما سيجيء في الآية الموالية لهذه . والحُطام الشيء الذي حَطمه حاطم ، أي كَسره ودقّه فهو بمعنى المحطوم ، كما تدل عليه زنة فُعال مثل الفُتات والجُذاد والدُقاق ، وكذلك المقترن منه بهاء التأنيث كالقُصاصة والقُلاَمة والكُناسة والقُمامة . والمعنى لو نشاء لجعلنا ما ينبت بعد خروجه من الأرض حُطاماً بأن نسلط عليه ما يحطمه من بَرَد أو ريح أو حشرات قبل أن تنتفعوا به ، فالمراد جعله حطاماً قبل الانتفاع به . وأما أن يُؤول إلى الكَون حطاماً فذلك معلوم فلا يكون مشروطاً بحرف لو الامتناعية . وقوله { فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون } تفريع على جملة { لجعلناه حطاماً } أي يتفرع على جعله حطاماً أن تصيروا تقولون إنا لمغرمون بل نحن محرومون ، ففعل ظَلّتُم هنا بمعنى صرتم ، وعلى هذا حَمَله جميع المفسرين . وأعضل وَقْع فعل { تفكهون } ، فعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد تفكهون تعجبون ، وعن عكرمة تتلاومون ، وعن الحسن وقتادة تندمون ، وقال ابن كيسان تحزنون ، وقال الكسائي هو تلهف على ما فات ، وهو ــــ أي فعل { تفكهون } ـــ من الأضداد تقول العرب تفكهت ، أي تنعمت ، وتفكهتُ ، أي حزِنتُ اهــــ . ذلك أن فعل { تفكهون } من مادة فَكِه والمشهور أن هذه المادة تدل على المسرة والفرح ولكن السياق سياق ضد المسرة ، وبيانه بقوله { إنا لمغرمون بل نحن محرومون } يؤيد ذلك ، فالفُكاهة المسرة والانبساط ، وادعى الكسائي أنها من أسماء الأضداد واعتمده في « القاموس » إذ قال وتفكه ، أكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضده . قال ابن عطية وهذا كله ـــ أي ما روي عن ابن عباس وغيره في تفسير { فظلتم تفكهون } ــــ لا يخص اللفظة أي هو تفسير بحاصل المعنى دون معاني الألفاظ والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفاكهة كذا ولعل صوابه الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة والجذل ، ورجل فَكِه ، إذا كان منبسط النفس غير مكترث بشيء اهــــ . يعني أن صيغة التفعُّل فيه مطاوعة فعَّل الذي تضعيفه للإزالة مثل قَشَّر العود وقَرَّد البعير وأثبت صاحب « القاموس » هذا القول ونسبه إلى ابن عطية . وجعلوا جملة { إنا لمغرمون } تندماً وتحسراً ، أي تعلمون أن حطم زرعِكُم حرمانٌ من الله جزاء لكفركم ، ومعنى { مغرمون } من الغرام وهو الهلاك كما في قوله تعالى { إن عَذابها كان غراماً } الفرقان 65 . وهذا شبيه بما في سورة القلم من قوله تعالى { فلما رأوها قالوا إنا لضالّون } القلم 26 إلى قوله { إنا كنا طاغين } القلم 31 . فتحصل أن معنى الآية يجوز أن يكون جارياً على ظاهر مادة فعل { تفكهون } ويكون ذلك تهكماً بهم حملاً لهم على معتاد أخلاقهم من الهزْل بآيات الله ، وقرينة التهكم ما بعده من قوله عنهم إنا لمغرمون بل نحن محرومون . ويجوز أن يكون محمل الآية على جعل { تفكهون } بمعنى تندمون وتحزنون ، ولذلك كان لفعل { تفكهون } هنا وقع يعوضه غيره . وجملة { إنا لمغرمون } مقول قول محذوف هو حال من ضمير { تفكهون } . وقرأ الجمهور { إنا لمغرمون } بهمزة واحدة وهي همزة إنّ ، وقرأه أبو بكر عن عاصم { أإنا } بهمزيتن همزة استفهام وهمزة إنِ .