Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 18-18)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا متصل بقوله { ويحلفون على الكذب } المجادلة 14 إلى قوله { اتخذوا أيمانهم جنة } المجادلة 16 وتقدم الكلام على نظير قوله { يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا } المجادلة 6 . كما سبق آنفاً في هذه السورة ، أي اذكر يوم يبعثهم الله . وحلفهم لله في الآخرة إشارة إلى ما حكاه الله عنهم في قوله { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } الأنعام 23 . والتشبيه في قوله { كما يحلفون لكم } في صفة الحلف ، وهي قولهم إنهم غير مشركين ، وفي كونه حلفاً على الكذب ، وهم يعلمون ، ولذلك سماه تعالى فتنة في آية الأنعام 23 بقوله تعالى { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } ومعنى ويحسبون أنهم على شيء يظنون يومئذٍ أن حلفهم يفيدهم تصديقَهم عند الله فيحسبون أنهم حصّلوا شيئاً عظيماً ، أي نافعاً . و { على } للاستعلاء المجازي وهو شدة التلبس بالوصف ونحوِه كقوله { أولئك على هدى من ربهم } في سورة البقرة 5 . وحذفت صفة { شيء } لظهور معناها من المقام ، أي على شيء نافع ، كقوله تعالى { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل } المائدة 68 . وقول النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا سُئِل عن الكُهّان « ليسوا بشيء » . وهذا يقتضي توغّلَهم في النفاق ومرونتهم عليه وأنه باقٍ في أرواحهم بعد بعثهم لأن نفوسهم خرجت من عالم الدنيا متخلّقة به ، فإن النفوس إنما تكتسب تزكية أو خبثاً في عالم التكليف . وحكمة إيجاد النفوس في الدنيا هي تزكيتها وتصفية أكدارها لتخلص إلى عالم الخلود طاهرة ، فإن هي سلكت مسلك التزكية تخلصت إلى عالم الخلود زكية ويزيدها الله زكاء وارتياضاً يوم البعث . وإن انغمست مدة الحياة في حمأة النقائص وصلصال الرذائل جاءت يوم القيامة على ما كانت عليه تشويهاً لحالها لتكون مهزلة لأهل المحشر . وقد تبقى في النفوس الزكية خَلائق لا تنافي الفضيلة ولا تناقض عالم الحقيقة مثل الشهوات المباحة ولقاء الأحبة قال تعالى { الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عبادِ لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تُحبَرون } الزخرف 67 ـــ 70 . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن رجلاً من أهل الجنة يستأذن ربه أن يزرع ، فيقول الله أو لستَ فيما شئتَ قال بلى ولكن أحب أن أزرع ، فأسْرع وبذر فيبادر الطرفَ نباتُه واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثالَ الجبال . وكان رجل من أهل البادية عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا نجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً فإنهم أصحاب زَرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم إقراراً لما فهمه الأعرابي " وفي حديث جابر بن عبد الله عن مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يُبعَث كل عبد على ما مَات عليه " قال عياض في « الإِكمال » هو عام في كل حالة مات عليها المرء . قال السيوطي يبعث الزمار بمزماره . وشارب الخمر بقدحه ا هـ . قلت ثم تتجلى لهم الحقائق على ما هي عليه إذ تصير العلوم على الحقيقة . وختم هذا الكلام بقوله تعالى { ألا إنهم هم الكاذبون } وهو تذييل جامع لحال كذبهم الذي ذكره الله بقوله { ويحلفون على الكذب } المجادلة 14 . فالمراد أن كذبهم عليكم لا يماثله كذب ، حتى قُصرت صفة الكاذب عليهم بضمير الفصل في قوله { إنهم هم الكاذبون } وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بكذب غيرهم . وأكد ذلك بحرف التوكيد توكيداً لمفاد الحصر الادعائي ، وهو أن كذب غيرهم كلا كذب في جانب كذبهم ، وبأداة الاستفتاح المقتضية استمالة السمع لخبرهم لتحقيق تمكن صفة الكذب منهم حتى أنهم يلازمهم يوم البعث .