Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 127-127)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضّمير في { لهم دار السلام } عائد إلى { قوم يذّكَّرون } الأنعام 126 . والجملة إمّا مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنّ الثّناء عليهم بأنّهم فُصّلت لهم الآيات ويتذكّرون بها يثير سؤال مَن يسأل عن أثر تبيين الآيَات لهم وتذكُّرهم بها ، فقيل { لهم دار السلام } . وإمّا صفة { لقوم يذّكّرون } الأنعام 126 . وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص للقوم الذين يذكّرون لا لغيرهم . والدّارُ مكان الحلول والإقامة ، ترادف أو تقارب المحلّ من الحُلول ، وهو مؤنّث تقديراً فيصغَّر على دويرة . والدّار مشتقّة من فعل دار يدور لكثرة دوران أهلها ، ويقال لها دارة ، ولكن المشهور في الدارة أنّها الأرض الواسعة بين جبال . والسّلام الأمان ، والمراد به هنا الأمان الكامل الّذي لا يعتري صاحِبه شيء ممّا يُخاف من الموجودات جواهرها وأعراضها ، فيجوز أن يراد بدار السّلام الجنّة سمّيت دار السّلام لأنّ السّلامة الحقّ فيها ، لأنَّها قرار أمن من كلّ مكروه للنّفس ، فتمحّضت للنَّعيم الملائم ، وقيل السّلام ، اسم من أسماء الله تعالى ، أي دار الله تعظيماً لها كما يقال للكعبة بيت الله ، ويجوز أن يراد مكانة الأمان عند الله ، أي حالة الأمان من غضبه وعذابه ، كقول النّابغة @ كم قد أحلّ بدار الفقر بعد غنىً عمرو وكم راش عمرو بعد إقتار @@ و { عند } مستعارة للقرب الاعتباري ، أريد به تشريف الرتبة كما دلّ عليه قوله عَقِبه { وهو وليّهم } ، ويجوز أن تكون مستعارة للحفظ لأنّ الشيء النّفيس يُجعل في مكان قريب من صاحبه ليحفظه ، فيكون المعنى تحقيق ذلك لهم ، وأنَّه وعد كالشّيء المحفوظ المدّخر ، كما يقال إن فعلت كذا فلك عندي كذا تحقيقاً للوعد . والعدول عن إضافة { عند } لضمير المتكلّم إلى إضافته للاسم الظاهر لقصد تشريفهم بأنّ هذه عطيّة مَن هو مولاهم . فهي مناسبة لفضله وبرّه بهم ورضاه عنهم كعكسه المتقدّم آنفاً في قوله تعالى { سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله } الأنعام 124 . وعطف على جملة { لهم دار السلام } جملة { وهو وليهم } تعميماً لولاية الله إيَّاهم في جميع شؤونهم ، لأنَّها من تمام المنّة . والوليّ يطلق بمعنى النّاصر وبمعنى الموالي . وقوله { بما كانوا يعملون } يجوز أن يتعلّق بما في معنى الخبر في قوله { لهم دار السلام } ، من مفهوم الفعل ، أي ثبت لهم ذلك بما كانوا يعملون ، فتكون الباء سببيّة ، أي بسبب أعمالهم الحاصلة بالإسلام ، أو الباء للعوض أي لهم ذلك جَزاء بأعمالهم ، وتكون جملة { وهو وليهم } معترضة بين الخبر ومتعلِّقه ، ويجوز أن يَكون { بما كانوا يعملون } متعلِّقا بــــ { وليّهم } أي وهو ناصرهم ، والباء للسّببيّه أي بسبب أعمالهم تولاّهم ، أو الباء للملابسة ، ويكون { بما كانوا يعملون } مراداً به جزاء أعمالهم ، على حذف مضاف دلّ عليه السّياق . وتعريف المسند بالإضافة في قوله { وليهم } أفاد الإعلام بأنّ الله وليّ القوم المتذكّرين ، ليعلموا عظم هذه المنّة فيشكروها ، وليعلم المشركون ذلك فيغيظهم . وذلك أنّ تعريف المسند بالإضافه يخالف طريقة تعريفه بغير الإضافة ، من طرق التّعريف ، لأنّ التّعريف بالإضافة أضعف مراتب التّعريف ، حتّى أنَّه قد يقرب من التّنكير على ما ذكره المُحقّقون من أنّ أصل وضع الإضافة على اعتبار تعريف العهد ، فلا يُقال غلام زيد ، إلاّ لغلام معهود بين المتكلّم والمخاطب بتلك النّسبة ، ولكن الإضافة قد تخرج عن ذلك في الاستعمال فتجيء بمنزلة النكرة المخصوصة بالوصف ، فتقول أتاني غلامُ زيد بكتاب منه وأنت تريد غلاماً له غير معيَّن عند المخاطب ، فيصير المعرّف بالإضافة حينئذ كالمعرّف بلام الجنس ، أي يفيد تعريفاً يميّز الجنس من بين سائر الأجناس ، فالتّعريف بالإضافة يأتي لما يأتي له التّعريف باللام . ولهذا لم يكن في قوله { وهو وليهم } قَصْر ولا إفاده حُكم معلوم على شيء معلوم . وممّا يزيدك يقينا بهذا قوله تعالى { ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } محمد 11 فإنّ عطف { وأنّ الكافرين لا مولى لهم } على قوله { بأنّ الله مولى الذين آمنوا } أفاد أنّ المراد بالأوّل إفادة ولاية الله للّذين آمنوا لا الإعلام بأنّ من عرف بأنَّه مولى الّذين آمنوا هو الله .