Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 129-129)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهو من تمام الاعتراض ، أو من تمام التذييل ، على ما تقدّم من الاحتمالين ، الواو للحال اعتراضيّة ، كما تقدّم ، أو للعطف على قوله { إنّ ربَّك حكيم عليم } الأنعام 128 . والإشارة إلى التولية المأخوذة من { نولي } ، وجاء اسم الإشارة بالتّذكير لأنّ تأنيث التولية لفظي لا حقيقي ، فيجوز في إشارته مَا جاز في فِعله الرافع للظّاهر ، والمعنى وكما ولّينا ما بين هؤلاء المشركين وبين أوليائهم نُولّي بين الظّالمين كلّهم بعضِهم مع بعض . والتولية يجيء من الولاء ومن الوِلاية ، لأنّ كليهما يقال في فعله المتعدّي ولَّى ، بمعنى جعل ولياً ، فهو من باب أعطى يتعدّى إلى مفعولين ، كذا فسّروه ، وظاهر كلامهم أنّه يقال ولّيت ضَبَّة تميماً إذا حالفتَ بينهم ، وذلك أنَّه يقال تَولَّتْ ضبةُ تميماً بمعنى حالفْتهم ، فإذا عدّي الفعل بالتضعيف قيل ولَّيت ضَبة تميماً ، فهو من قبيل قوله { نُولِّه ما تولّى } النساء 115 أي نلزمه ما ألزم نفسه فيكون معنى { نولي بعض الظالمين بعضاً } نجعل بعضهم أولياء بعض ، ويكون ناظراً إلى قوله { وقال أولياؤهم من الإنس } الأنعام 128 . وجعَل الفريقين ظالمين لأنّ الذي يتولّى قوماً يصير منهم ، فإذا جعل الله فريقاً أولياء للظّالمين فقد جعلهم ظالمين بالأخارة ، قال تعالى { ولا تَركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النّار } هود 113 وقال { بعضهم أولياء بعض ومَن يتولَّهم منكم فإنَّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظّالمين } المائدة 51 . ويقال ولَّى ، بمعنى جعل والياً ، فيتعدّى إلى مفعولين من باب أعطى أيضاً ، يقال وَلَّى عُمَرُ أبا عبيدة الشّام ، كما يقال أولاه ، لأنَّه يقال وَلِي أبو عبيدة الشّامَ ، ولذلك قال المفسّرون يجوز أن يكون معنى { نولى بعض الظالمين بعضاً } نجعل بعضَهم ولاة على بعض ، أي نسلّط بعضهم على بعض ، والمعنى أنّه جعل الجنّ وهم ظالمون مسلّطين على المشركين ، والمشركون ظالمون ، فكلّ يظلِم بمقدار سلطانه . والمراد بــــ { الظالمين } في الآية المشركون ، كما هو مقتضى التّشبيه في قوله { وكذلك } . وقد تشمل الآية بطريق الإشارة كلّ ظالم ، فتدلّ على أنّ الله سلّط على الظالممِ من يظلمه ، وقد تأوّلها على ذلك عبد الله بن الزُبير أيَّام دَعوته بمكّة فإنَّه لمَّا بلغه أنّ عبد الملك بن مروان قَتَل عَمْراً بنَ سعيد الأشدقَ بعد أن خرج عَمرو عليه ، صَعِد المنبر فقال « ألاَ إنّ ابن الزّرقاء ــــ يعني عبدَ الملك بن مروان لأنّ مروان كان يلقّب بالأزرق وبالزرقاء لأنّه أزرق العينين ــــ قد قَتل لَطِيم الشّيطان { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون } . ومن أجل ذلك قيل إنْ لم يُقلع الظّالم عن ظلمه سُلّط عليه ظالم آخر . قال الفخر إنْ أراد الرّعيّةُ أن يتخلّصوا من أمير ظالم فليتركوا الظّلم . وقد قيل @ ومَا ظَالمٌ إلاّ سَيُبْلَى بظَالِم @@ وقوله { بما كانوا يكسبون } الباء للسببية ، أي جزاء على استمرار شركهم . والمقصود من الآية الاعتبار والموعظة ، والتّحذير مع الاغترار بولاية الظّالمين . وتوخي الأتباععِ صلاحَ المتبوعين . وبيانُ سنّة من سنن الله في العالَمين .