Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 131-131)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف ابتدائي ، تهديد وموعظة ، وعبرة بتفريط أهل الضّلالة في فائدة دعوة الرّسل ، وتنبيه لجدوى إرسال الرّسل إلى الأمم ليعيد المشركون نظراً في أمرهم ، ما داموا في هذه الدار ، قبل يوم الحشر ، ويعلموا أنّ عاقبة الإعراض عن دعوة الرّسول صلى الله عليه وسلم خسرى ، فيتداركوا أمرهم خشية الفوات ، وإنذار باقتراب نزول العذاب بهم ، وإيقاظٌ للمشركين بأنّ حالهم كحال المتحدّث عنهم إذا ماتوا على شركهم . والإشارة بقوله { ذَٰلِكَ } إلى مذكور في الكلام السّابق ، وهو أقرب مذكور ، كما هو شأن الإشارة إلى غير مَحسوس ، فالمشار إليه هو المذكور قبلُ ، أو هو إتيان الرّسل الّذي جَرى الكلام عليه في حكاية تقرير المشركين في يوم الحشر عن إتيان رسلهم إليهم ، وهو المصدر المأخوذ من قوله { ألَم يَأتكم رسلٌ منكم } الأنعام 130 فإنَّه لمّا حكى ذلك القول للنّاس السّامعين ، صار ذلك القول المحكي كالحاضر ، فصحّ أن يشار إلى شيء يؤخذ منه . واسم الإشارة إمّا مبتدأ أو خبر لمحذوف تقديره ذلك الأمر أو الأمر ذلك ، كما يدلّ عليه ضمير الشأن المقدّر بعد أنْ . و { أن } مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، كما هو استعمالها عند التّخفيف ، وذلك لأنّ هذا الخبر له شأن يجدر أن يُعرَف والجملة خبر { أن } ، وحذفت لام التّعليل الداخلة على { أن } لأنّ حذف جارّ { أن } كثير شائع ، والتّقدير ذلك الأمر ، أو الأمر ذلك ، لأنَّه ــــ أي الشأن ــــ لم يكن ربّك مُهلك القرى . وجملة { لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون } هو شأن عظيم من شؤون الله تعالى ، وهو شأن عَدله ورحمته ، ورضاه لعباده الخير والصّلاح ، وكراهيته سوء أعمالهم ، وإظهاره أثر ربوبيته إياهم بهدايتهم إلى سبل الخير ، وعدم مباغتتهم بالهلاك قبل التقدّم إليهم بالإنذار والتنبيه . وفي الكلام إيجاز إذ عُلم منه أنّ الله يهلك القرى المسترسِلَ أهلُها على الشّرك إذا أعرضوا عن دعوة الرّسل ، وأنّه لا يهلكهم إلاّ بعد أن يرسل إليهم رسلاً منذرين ، وأنّه أراد حمل تَبعَة هلاكهم عليهم ، حتى لا يبقى في نفوسهم أن يقولوا لولا رحمنا ربّنا فانبأنا وأعذر إلينا ، كما قال تعالى { ولو أنَّا أهلكناهم بعذاب من قبله } أي قبل محمّد صلى الله عليه وسلم أو قبل القرآن { لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى } طه 134 فاقتصر من هذا المعنى على معنى أنّ علّة الإرسال هي عدم إهلاك القرى على غفلة ، فدلّ على المعنى المحذوف . والإهلاك إعدام ذات الموجود وإماتةُ الحيّ . قال تعالى { ليَهْلِك من هلك عن بيّنة ويَحْيَى من حَيِيَ عن بيّنة } الأنفال 42 فإهلاك القرى إبادة أهلها وتخريبها ، وإحياؤها إعادةُ عُمرانها بالسكّان والبناء ، قال تعالى { أنَّى يحيي هذه } البقرة 259 أي القريةَ { الله بعد موتها } البقرة 259 . وإهلاك النّاس إبادتهم ، وإحياؤهم إبقاؤهم ، فمعنى إهلاك القرى هنا شامل لإبادة سكّانها . لأنّ الإهلاك تعلّق بذات القرى ، فلا حاجة إلى التمجّز في إطلاق القرى على أهل القرى كما في و { سأل القرية } يوسف 82 لصحّة الحقيقة هنا ، ولأنَّه يمنع منه قوله { وأهلُها غافلون } . ألا ترى إلى قوله تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميراً } الإسراء 16 فجعل إهلاكها تدميرها ، وإلى قوله { ولقد أتَوْا على القرية التي أُمطرت مَطَر السَّوْء أفلم يكونوا يرونها } الفرقان 40 . والباء في { بِظلم } للسّببيّة ، والظلم الشّرك ، أي مهلكهم بسبب شرك يَقع فيها فيهلكها ويهلك أهلها الّذين أوقعوه ، ولذلك لم يقل بظلم أهلها ، لأنَّه أريد أن وجود الظلم فيها سببُ هلاكها ، وهلاكُ أهلها بالأحرى لأنَّهم المقصود بالهلاك . وجملة { وأهلها غافلون } حال من { القرى } . وصرح هنا بــــ { أهلها } تنبيها على أنّ هلاك القُرى من جراء أفعال سكّانها ، { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } النمل 52 .