Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 134-134)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة { إن يشأ يذهبكم } الأنعام 133 فإنّ المشيئة تشتمل على حالين حاللِ ترك إهلاكهم ، وحالِ إيقاعه ، فأفادت هذه الجملة أنّ مشيئة الله تعلّقت بإيقاع ما أوعدهم به من الإذهاب ، ولك أن تجعل الجملة استئنافاً بيانياً جواباً عن أن يقول سائل من المشركين ، متوركاً بالوعيد إذا كنّا قد أُمهلنا وأخِّر عنَّا الاستئصال فقد أُفلتنا من الوعيد ، ولعلّه يلقاه أقوام بعدنا ، فورد قوله { إن ما توعدون لأت } مورد الجواب عن هذا السّؤال النّاشىء عن الكلام السّابق بتحقيق أنّ مَا أُوعد به المشركون ، واقع لا محالة وإنْ تأخّر . والتّأكيد بــــ { أنّ } مناسب لمقام المتردّد الطالب ، وزيادة التّأكيد بلام الابتداء لأنَّهم متوغّلون في إنكار تحقّق ما أوعدوا به من حصول الوعيد واستسخارهم به ، فإنَّهم قالوا { اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم } الأنفال 32 إفحاماً للرّسول صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لتخلّف وعيده . وبناء { توعدون } للمجهول يصحح أن يكون الفعل مضارع وَعد يَعِد ، أو مضارع أوْعد ، يُوعد والمتبادر هو الأوّل . ومن بديع الفصاحة اختيار بنائه للمجهول ، ليصلح لفظه لحال المؤمنين والمشركين ، ولو بني للمعلوم لتعيّن فيه أحد الأمرين بأن يقال إنّ ما نعدكم ، أو إنّ ما نُوعدكم ، وهذا من بديع التّوجيه المقصود منه أن يأخذ منه كلّ فريق من السّامعين ما يليق بحاله ، ومعلوم أنّ وعيد المشركين يستلزم وعْداً للمؤمنين ، والمقصود الأهمّ هو وعيد المشركين ، فلذلك عقّب الكلام بقوله { وما أنتم بمعجزين } فذلك كالتّرشيح لأحد المحتمَلين من الكلام الموجَّه . والإتيان مستعار للحصول تشبيها للشيء الموعودِ به المنتظر وقوعه بالشّخص الغائب المنتظرِ إتيانُه ، كما تقدّم في قوله تعالى { قل أرأيتكم إن أتاكم عذابُ الله بغتة أو جهرة } في هذه السورة . وحقيقة المُعجز هو الّذي يَجعل طالب شيءٍ عاجزاً عن نواله ، أي غير قادرين ، ويستعمل مجازاً في معنى الإفلات من تَناوُل طالبِه كما قال إياس بن قبيصَة الطائي @ ألم تَرَ أنّ الأرضَ رحْب فسيحة فهَل تُعْجزَنِّي بُقعة من بِقاعها @@ أي فلا تُفلت منّي بقعة منها لا يصل إليها العدوّ الّذي يطالبني . فالمعنى وما أنتم بمعجزي أي بمفلتين من وعيدي ، أو بخارجين عن قدرتي ، وهو صالح للاحتمالين . ومجيء الجملة اسميّة في قوله { وما أنتم بمعجزين } لإفادة الثّبات والدّوام ، في نسبة المسند للمسند إليه ، وهي نسبةُ نفيه عن المسند إليه ، لأنّ الخصوصيات الّتي تعتبر في حالة الإثبات تعتبر في حالة النّفي إذ النّفي إنَّما هو كيفيّة للنّسبة . والخصوصياتُ مقتضياتُ أحوالِ التّركيب ، وليس يختلف النّفي عن الإثبات إلاّ في اعتبار القيود الزائدة على أصل التّركيب ، فإنّ النّفي يعتبر متوجّهاً إليها خاصّة وَهي قيود مفاهيم المخالفة ، وإلاّ لبطلت خصوصيات كثيرة مفروضة مع الإثبات ، إذا صار الكلام المشتمل عليها منفياً ، مثل إفادة التجدّد في المسند الفعلي في قول جؤية بن النضر @ لا يألفُ الدرهمُ المضروب صرّتَنا لكن يمرّ عليها وهو منطق @@ إذ لا فرق في إفادة التّجدّد بين هذا المصراع ، وبين أن تقول ألِفَ الدّرهم صرّتنا . وكذلك قوله تعالى { لاَ هُنّ حِلّ لهم ولا هُم يحِلّون لهنّ } الممتحنة 10 فإنّ الأول يفيد أنّ نفي حِلّهنّ لهم حكم ثابت لا يختلف ، والثّاني يفيد أنّ نفي حِلّهم لهُنّ حكم متجدّد لا ينسخ ، فهما اعتباران ، وقد أشرت إلى بعض هذا عند تفسير قوله تعالى { واللَّه لا يحبّ كلّ كفّار أثِيم } في سورة البقرة 276 .