Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 142-142)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عُطف { حمولة } على { جنات معروشات } الأنعام 141 أي وأنشأ من الأنعام حمولة وفَرْشاً ، فينسحب عليه القصر الّذي في المعطوف عليه ، أي هو الّذي أنشأ من الأنعام حمولة وفرشاً لا آلهة المشركين ، فكان المشركون ظالمين في جعلهم للأصنام حقّاً في الأنعام . ومِنْ في قوله { ومن الأنعام } ابتدائيّة لأنّ الابتداء معنى يصلح للحمولة وللفرش لأنَّه أوسع معاني مِن . والمجرور إمَّا متعلّق بــــ { أنشأ } الأنعام 141 ، وإمَّا حال من { حمولة } أصلها صفة فلمّا قدمت تحوّلت . وأيًّا ما كان فتقديم المجرور على المفعول الّذي هو أولى بالتّقديم في ترتيب المتعلّقات ، أو تقديمُ الصّفة على الموصوف ، لقصد الاهتمام بأمر الأنعام ، لأنَّها المقصود الأصلي من سياق الكلام ، وهو إبطال تحريم بعضها ، وإبطالُ جعل نصيب منها للأصنام ، وأمَّا الحمل والفَرْش فذلك امتنان أُدمج في المقصود توفيراً للأغراض ، ولأنّ للامتنان بذلك أثراً واضحاً في إبطال تحريم بعضها الّذي هو تضييق في المنّة ونبذ للنّعمة ، وليتمّ الإيجاز إذ يغني عن أن يقول وأنشأ لكم الأنعام وأنشأ منها حمولة وفرشاً ، كما سيأتي . والأنعام الإبل ، والبقر ، والشّاء ، والمعز ، وقد تقدّم في صدر سورة العقود ، والحمولة ــــ بفتح الحاء ــــ ما يحمل عليه المتاع أو النّاس يقال حمل المتاع وحمل فلاناً ، قال تعالى { إذا ما أتَوْك لتحملهم } التوبة 92 ويلزمها التّأنيث ، والإفراد مثل صَرورة للّذي لم يحجّ يقال امرأة صَرورة ورجل صّرورة . والفرش اختلف في تفسيره في هذه الآية . فقيل الفرش ما لا يُطيق الحَمل من الإبل أي فهو يركب كما يُفرش الفَرش ، وهذا قول الراغب . وقيل الفَرش الصّغار من الإبل أو من الأنعام كلّها ، لأنَّها قريبة من الأرض فهي كالفرش ، وقيل الفرش ما يذبح لأنّه يفرش على الأرض حين الذبح أو بعده ، أي فهو الضان والمعز والبقر لأنَّها تذبح . وفي « اللّسان » عن أبي إسحاق أجمع أهل اللّغة على أنّ الفرش هو صغار الإبل . زاد في « الكشاف » « أو الفَرْش ما يُنْسَج من وبره وصوفه وشَعْره الفرْش » يريد أنه كما قال تعالى { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } النحل 80 ، وقال { والأنعام خلقها لكم فيها دِفْءٌ ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم } النحل 5 ـــ 7 الآية ، ولأنَّهم كانوا يفترشون جلود الغنم والمعز للجلوس عليها . ولفظ { فرشا } صالح لهذه المعاني كلّها ، ومحامله كلّها مناسبة للمقام ، فينبغي أن تكون مقصودة من الآية ، وكأنّ لفظ الفرش لا يوازنه غيره في جمع هذه المعاني ، وهذا من إعجاز القرآن من جانب فصاحته ، فالحمولة الإبل خاصّة ، والفَرش يكون من الإبل والبقر والغنم على اختلاف معاني اسم الفرش الصّالحة لكلّ نوع مع ضميمته إلى كلمة من الصالحة للابتداء . فالمعنى وأنشأ من الأنعام ما تحملون عليه وتركبونه ، وهو الإبل الكبيرة والإبل الصّغيرة ، وما تأكلونه وهو البقر والغنم ، وما هو فرش لكم وهو ما يُجزّ منها ، وجلودها . وقد علم السّامع أنّ الله لمّا أنشأ حمولة وفرشاً من الأنعام فقد أنشأ الأنعام أيضاً ، وأول ما يتبادر للنّاس حين ذكر الأنعام أن يتذكّروا أنَّهم يأكلون منها ، فحصل إيجاز في الكلام ولذلك عقّب بقوله { كلوا مما رزقكم الله } . وجملة { كلوا مما رزقكم الله } معترضة مثل آية { كلوا من ثمره إذا أثمر } الأنعام 141 . ومناسبة الأمر بالأكل بعد ذكر الأنعام أنَّه لمّا كان قوله { وفرشا } شيئاً ملائماً للذّبح ، كما تقدّم ، عقّب بالإذن بأكل ما يصلح للأكل منها . واقتصر على الأمر بالأكل لأنَّه المقصود من السّياق إبطالاً لتحريم ما حرّموه على أنفسهم ، وتمهيداً لقوله { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } فالأمر بالأكل هنا مستعمل في النَّهي عن ضدّه وهو عدم الأكل من بعضها ، أي لا تحرّموا ما أحلّ لكم منها اتّباعاً لتغرير الشّيطان بالسوسوسة لزعماء المشركين الّذين سنّوا لهم تلك السّنن الباطلة ، وليس المراد بالأمر الإباحة فقط . وعدل عن الضّمير بأن يقول كلوا مِنها إلى الإتيان بالموصول ، { مما رزقكم الله } لما في صلة الموصول من الإيماء إلى تضليل الّذين حرّموا على أنفسهم ، أو على بعضهم ، الأكل من بعضها ، فعطّلوا على أنفسهم بعضاً ممّا رزقهم الله . ومعنى { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } النّهي عن شؤون الشّرك فإنّ أول خطوات الشّيطان في هذا الغرض هي تسويلهُ لهم تحريم بعض ما رزقهم الله على أنفسهم . وخطوات الشّيطان تمثيل ، وقد تقدّم عند قوله تعالى { يأيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيّباً ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان } في سورة البقرة 168 . وجملة { إنه لكم عدوٌ مبين } تعليل للنّهي ، وموقع إنّ فيه يغني عن فاء التّفريع كما تقدّم غير مرّة ، وقد تقدّم بيانه في آية البقرة .