Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 149-149)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جواب عن قولهم { لو شاء الله ما أشرَكْنا ولا آباؤنا } الأنعام 148 تكملة للجواب السّابق لأنَّه زيادة في إبطال قولهم ، وهو يشبه المعارضة في اصطلاح أهل الجدل . وأعيد فعل الأمر بالقول لاسترعاء الأسماع لِما سيرد بعد فعل { قل } وقد كرّر ثلاث مرات متعاقبة بدون عطف ، والنكتة ما تقدم من كون القول جارياً على طريقة المقاولة . والفاء فصيحة تؤذن بكلام مقدّر هو شرط ، والتّقدير فإن كان قولكم لمجرّد اتّباع الظنّ والخرص وسوء التّأويل فللّه الحجّة البالغة . وتقديم المجرور على المبتدأ لإفادة الاختصاص ، أي لله لا لكم ، ففهم منه أنّ حجتّهم داحضة . والحجّة الأمر الذي يدلّ على صدق أحد في دعواه وعلى مصادفة المستدلّ وجه الحقّ ، وتقدّم القول فيها عند قوله تعالى { لئلا يكون للنّاس عليكم حجّة } في سورة البقرة 150 . والبالغة هي الواصلة أي الواصلة إلى ما قُصدت لأجله ، وهو غَلَب الخصم ، وإبطالُ حجّته ، كقوله تعالى { حِكْمة بالغة } القمر 5 ، فالبلوغ استعارة مشهورة لحصول المقصود من الشّيء فلا حاجة إلى إجراء استعارة مكنيّة في الحجّة بأن تشبّه بسائر إلى غاية ، وقرينتها إثباتُ البلوغ ، ولا حاجة أيضاً إلى جعل إسناد البلوغ إلى الحجّة مجازاً عقلياً ، أي بالغاً صاحبُها قَصْدَه ، لأنَّه لا محيصّ من اعتبار الاستعارة في معنى البلوغ ، فالتّفسير به من أوّل وهلة أولى ، والمعنى لله الحجّة الغالبة لكم ، أي وليس استدلالُكم بحجّة . والفاء في قوله { فلو شاء } فاء التّفريع على ظهور حجّة الله تعالى عليهم تفرع على بطلان استدلالهم أنّ الله لو شاء لهداهم ، أي لو شاء هدايتهم بأكثر من إرسال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بأن يغيّر عقولهم فتأتيَ على خلاف ما هُيِّئتْ له لَكَان قد فعل ذلك بوجه عناية خاصّة بهم أو خارق عادة لأجلهم ، إذ لا يعجزه شيء ، ولكن حكمته قضت أن لا يعمّم عنايته بل يختصّ بها بعض خاصّته ، وأن لا يعدل عن سنّته في الهداية بوضع العقول وتنبيهها إلى الحقّ بإرسال الرّسل ونصب الأدلّة والدّعاء إلى سبيله بالحكمة والموعظة ، فالمشيئة المقصودة في قوله فلو شاء لهداكم غير المشيئة المقصودة فيما حكى الله عنهم من قولهم { لو شاء الله ما أشركنا } الأنعام 148 وإلاّ لكان ما أُنكر عليهم قد أثبت نظيره عقب الإنكار فتتناقض المُحَاجَّة ، لأنّ الهداية تساوي عدم الإشراك وعدمَ التحريم ، فلا يصدُق جعل كليهما جواباً للَوْ الامتناعيّة ، فالمشيئة المقصودة في الردّ عليهم هي المشيئة الخفيّة المحجوبة ، وهي مشيئة التّكوين ، والمشيئة المنكرة عليهم هي ما أرادوه من الاستدلال بالواقع على الرّضى والمحبّة . هذا وجه تفسير هذه الآية التي كلَّلها من الإيجاز ما شتَّت أفهاماً كثيرة في وجه تفسيرها لا يَخفى بُعدها عن مُطالع التّفاسير والموازنةُ بينها وبين ما هنا .