Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 48-49)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون } الأنعام 46 . والمناسبة أنّ صدوفهم وإعراضهم كانوا يتعلّلون له بأنَّهم يَرُومون آيات على وفق مقترحهم وأنَّهم لا يقنعون بآيات الوحدانية ، ألا ترى إلى قولهم { لن نؤمن لك حتّى تفجِّر لنا من الأرض ينبوعاً } الإسراء 90 إلى آخر ما حكي عنهم في تلك الآية ، فأنبأهم الله بأنّ إرسال الرسل للتبليغ والتبشير والنذارة لا للتّلهّي بهم باقتراح الآيات . وعُبِّر بـ { نُرسل } دون { أرسلنا } للدلالة على تجدّد الإرسال مقارناً لهذين الحالين ، أي ما أرسلنا وما نرسل ، فقوله { مُبشّرين ومنذرين } حالان مقدّرتان باعتبار المستقبل ومحقّقتان باعتبار الماضي . والاستثناء من أحوال محذوفة ، أي ما أرسلناهم إلاّ في حالة كونهم مبشّرين ومنذرين . والقصرُ إضافي للردّ على من زعموا أنّه إنْ لم يأتهم بآية كما اقترحوا فليس برسول من عند الله ، فهو قصر قلب ، أي لم نرسل الرسول للإعجاب بإظهار خوارق العادات . وكنّى بالتبشير والإنذار عن التبليغ لأنّ التبليغ يستلزم الأمرين وهما الترغيب والترهيب ، فحصل بهذه الكناية إيجاز إذ استغنى بذكر اللازم عن الجمع بينه وبين الملزوم . والفاء في قوله { فمن آمن } للتفريع ، أي فمن آمن من المرسل إليهم فلا خوف الخ . و { مَنْ } الأظهر أنَّها موصولة كما يرجّحه عطف { والذين كذّبوا } عليه . ويجوز أن تكون شرطية لا سيما وهي في معنى التفصيل لقوله { مبشِّرين ومنذرين } . فإن كانت شرطية فاقتران { فلا خوف } بالفاء بيِّن ، وإن جعلت موصولة فالفاء لمعاملة الموصول معاملة الشرط ، والاستعمالات متقاربان . ومعنى { أصْلح } فَعَلَ الصلاح ، وهو الطاعة لله فيما أمر ونهى ، لأنّ الله ما أراد بشرعه إلاّ إصلاح الناس كما حكَى عن شعيب { إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت } هود 88 . والمسُّ حقيقته مباشرة الجسم باليد وهو مرادف اللمس والجسّ ، ويستعار لإصابة جسم جسماً آخر كما في هذه الآية . وقد تقدّم في قوله تعالى { ليَمَسَّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم } في سورة المائدة 73 . ويستعار أيضاً للتَّكيّف بالأحوال كما يقال به مسّ من الجنون . قال تعالى { إنّ الذين اتَّقوا إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكَّروا فإذا هم مبصرون } الأعراف 201 . وجمع الضمائر العائدة إلى مَنْ مراعاة لمعناها ، وأمَّا إفراد فعل { آمن } و { أصلح } فلرعي لفظها . والباء للسببية ، وما مصدرية ، أي بسبب فسقهم . والفسق حقيقته الخروج عن حدّ الخير . وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى . وتقدّم تفصيله عند قوله تعالى { وما يضلّ به إلاّ الفاسقين } في سورة البقرة 26 . وجيء بخبر كان جملة مضارعية للإشارة إلى أنّ فسقهم كان متجدّداً متكرّراً ، على أنّ الإتيان بـ كان أيضاً للدلالة على الاستمرار لأنّ كان إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلَّت على استمرار الخبر بالقرينة ، كقوله تعالى { وكان الله غفوراً رحيما } النساء 96 .