Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 61-62)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { وهو الذي يتوفَّاكم } الأنعام 60 ، وتقدّم تفسير نظيره آنفاً . والمناسبة هنا أنّ النوم والموت خلقهما الله فغلبا شِدّة الإنسان كيفما بلغت فبيَّن عقب ذكرهما أنّ الله هو القادر الغالب دون الأصنام . فالنوم قهر ، لأنّ الإنسان قد يريد أن لا ينام فيغلبه النوم ، والموت قهر وهو أظهر ، ومن الكلم الحق سبحان من قهر العباد بالموت . { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } . { ويرسل } عطف على { القاهر } ، فيعتبر المسند إليه مقدّماً على الخبر الفعلي ، فيدلّ على التخصيص أيضاً بقرينة المقام ، أي هو الذي يرسل عليكم حفظة دون غيره . والقصر هنا حقيقي ، فلا يستدعي ردّ اعتقاد مُخالف . والمقصود الإعلام بهذا الخبر الحقّ ليحذر السامعون من ارتكاب المعاصي . ومعنى على في قوله { عليكم } الاستعلاء المجازي ، أي إرسال قهر وإلزام ، كقوله { بعثنا عليكم عباداً لنا } الإسراء 5 ، لأنّ سياق الكلام خطاب للمشركين كما علمتَ ، ومثله قوله تعالى { كلاّ بل تكذّبون بالدِّين وإنّ عليكم لحافظين } الإنفطار 9 ، 10 . و { عليكم } متعلِّق بِـ { يرسل } فعلم ، أنّ المراد بحفظ الحفظة الإحصاء والضبط من قولهم حفظتُ عليه فعله كذا . وهو ضدّ نسيَ . ومنه قوله تعالى { وعندنا كتاب حفيظ } ق 4 . وليس هو من حفظ الرعاية والتعهّد مثل قوله تعالى { حافظات للغيب بما حفظ الله } النساء 34 . فالحفظة ملائكة وظيفتهم إحصاء أعمال العباد من خير وشرّ . وورد في الحديث الصحيح " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " الحديث . وقوله { إذا جاء أحدَكم الموت } غاية لما دلّ عليه اسم الحفظة من معنى الإحصاء ، أي فينتهي الإحصاء بالموت ، فإذا جاء الوقت الذي ينتهي إليه أجل الحياة توفَّاه الملائكة المرسلون لقبض الأرواح . فقوله { رسلُنا } في قوّة النكرة لأنّ المضاف مشتقّ فهو بمعنى اسم المفعول فلا تفيده الإضافة تعريفاً ، ولذلك فالمراد من الرسل التي تتوفَّى رسلٌ غيرُ الحفظة المرسلين على العباد ، بناء على الغالب في مجيء نكرة عقب نكرة أنّ الثانية غيرُ الأولى . وظاهر قوله { توفّته رُسُلنا } أنّ عدداً من الملائكة يتولّى توفّي الواحد من الناس . وفي الآية الأخرى { قل يَتوفَّاكم مَلَك الموت الذي وُكِّل بكم } السجدة 11 ، وسمِّي في الآثار عزرائيلَ ، ونقل عن ابن عباس أنّ لِملك الموت أعواناً . فالجمع بين الآيتين ظاهر . وعُلِّق فعل التوفِّي بضمير { أحدكم } الذي هو في معنى الذات . والمقصود تعليق الفعل بحال من أحوال أحدكم المناسب للتَّوفي ، وهو الحياة ، أي توفَّت حياتَه وختمتْها ، وذلك بقبض روحه . وقرأ الجمهور { توفَّته } ـــ بمثناة فوقية بعد الفاء ـــ . وقرأ حمزة وحده { توفّاه رسلنا } وهي في المصحف مرسومة ـــ بنتْأة بعد الفاء ـــ فتصلح لأن تكون مثناة فوقية وأن تكون مثناة تحتية على لغة الإمالة . وهي التي يرسم بها الألفات المنقلبة عن الياءات . والوجهان جائزان في إسناد الفعل إلى جمع التكسير . وجملة { وهم لا يفرّطون } حال . والتفريط التقصير في العمل والإضاعة في الذوات . والمعنى أنَّهم لا يتركون أحداً قد تمّ أجله ولا يؤخّرون توفّيَه . والضمير في قوله { رُدّوا } عائد إلى { أحد } باعتبار تنكيره الصادق بكلّ أحد ، أي ثمّ يُردّ المتوفَّوْن إلى الله . والمراد رجوع الناس إلى أمر الله يوم القيامة ، أي ردّوا إلى حكمه من نعيم وعذاب ، فليس في الضمير التفات . والمولى هنا بمعنى السيد ، وهو اسم مشترك يطلق على السيد وعلى العبد . و { الحقّ } ـــ بالجرّ ـــ صفة لـ { مولاهم } ، لما في { مولاهم } من معنى مالكهم ، أي مالكهم الحقّ الذي لا يشوب مِلكه باطلٌ يُوهن ملكه . وأصل الحقّ أنَّه الأمر الثابت فإن كلّ ملك غير ملك الخالقية فهو مشوب باستقلال مملوكه عنه استقلالاً تفاوتاً ، وذلك يُوهن المِلك ويضعف حقّيّته . وجملة { ألا لَهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين } تذييل ولذلك ابتدىء بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر . والعرب يجعلون التذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع . وقدّم المجرور في قوله { له الحكم } للاختصاص ، أي له لا لغيره ، فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على الله إمَّا حقيقي للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره ، وإمَّا إضافي للردّ على المشركين ، أي ليس لأصنامكم حكم معه ، وإن كان المراد من الحكم الحساب ، أي الحكم المعهود يوم القيامة ، فالقصر حقيقي . وربَّما ترجَّح هذا الاحتمال بقوله عقبه { وهو أسرع الحاسبين } أي ألاَ له الحساب ، وهو أسرع من يحاسب فلا يتأخَّر جزاؤه . وهذا يتضمَّن وعداً ووعيداً لأنَّه لمَّا أتي بحرف المهلة في الجمل المتقدّمة وكان المخاطبون فريقين فريق صالح وفريق كافر ، وذكر أنَّهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة فالصالحون لا يحبّون المهلة والكافرون بعكس حالهم ، فعُجِّلت المسرّة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله { وهو أسرع الحاسبين } .