Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 97-97)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { وجاعل اللّيل سكناً } الأنعام 96 ، وهذا تذكير بوحدانيّة الله ، وبعظيم خلقة النّجوم ، وبالنّعمة الحاصلة من نظام سيرها إذ كانت هداية للنّاس في ظلمات البرّ والبحر يهتدون بها . وقد كان ضبط حركات النّجوم ومطالعها ومغاربها من أقدم العلوم البشريّة ظهر بين الكلدانيّين والمصريّين القدماء . وذلك النّظام هو الّذي أرشد العلماء إلى تدوين علم الهيئة . والمقصود الأوّل من هذا الخبر الاستدلال على وحدانيّة الله تعالى بالإلهيّة ، فلذلك صيغ بصيغة القصر بطريق تعريف المسند والمسند إليه ، لأنّ كون خلق النّجوم من الله وكونها ممّا يهتدَى بها لا ينكره المخاطبون ولكنّهم لم يَجْرُوا على ما يقتضيه من إفراده بالعبادة . والنّجُوم جمع نجم ، وهو الكوكب ، أي الجسم الكروي المضيء في الأفق ليْلاً الّذي يبدو للعين صغيراً ، فليس القمر بنجْم . و { جَعَل } هنا بمعنى خَلَق ، فيتعّدى إلى مفعول واحد و { لكُم } . متعلّق بــ { جعل } ، والضّمير للبشر كلّهم ، فلام { لكم } للعلّة . وقوله { لتهتدوا بها } علّة ثانية لِــ { جعَل } فاللاّم للعلّة أيضاً ، وقد دلّت الأولى على قصد الامتنان ، فلذلك دخلت على ما يدلّ على الضّمير الدالّ على الذّوات ، كقوله { ألم نشرح لك صدرك } الشرح 1 ، واللاّم الثّانية دلّت على حكمة الجعل وسبب الامتنان وهو ذلك النّفع العظيم . ولمّا كان الاهتداء من جملة أحوال المخاطبين كان موقع قوله { لتهتدوا } قريباً من موقع بدل الاشتمال بإعادة العامل ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } في سورة المائدة 114 . والمراد بالظلمات الظلمة الشّديدة ، فصيغة الجمع مستعملة في القوّة . وقد تقدّم أنّ الشّائع أن يقال ظلمات ، ولا يقال ظلمة ، عند قوله تعالى { وتَركهم في ظلمات لا يبصرون } في سورة البقرة 17 . وإضافة { ظلمات } إلى { البرّ والبحر } على معنى في لأنّ الظّلمات واقعة في هذين المكانين ، أي لتهتدوا بها في السّير في الظّلمات . ومن ينفي الإضافة على معنى في يجعلها إضافة على معنى اللاّم لأدنى ملابسة كما في « كوكب الخرقاء » . والإضافة لأدنى ملابسة ، إمّا مجاز لغوي مبني على المشابهة ، فهو استعارة على ما هو ظاهر كلام « المفتاح » في مبحث البلاغة والفصاحة إذ جعل في قوله تعالى { يا أرض ابلعي ماءك } هود 44 إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيهاً لاتّصال الماء بالأرض باتّصال المِلك بالمالك اهــ . فاستُعمل فيه الإضافة الّتي هي على معنى لام الملك فهو استعارة تبعيّة وإمّا مجاز عقليّ على رأي التفتزاني في موضع آخر إذ قال في « كوكب الخرقاء » « حقيقة الإضافة اللاّميّة الاختصاص الكامل ، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازاً حُكمياً » . ولعلّ التفتزاني يرى الاختلاف في المجاز باختلاف قرب الإضافة لأدنى ملابسة من معنى الاختصاص وبعدها منه كما يظهر الفرق بين المثالين ، على أنّ قولهم لأدنى ملابسة ، يؤذن بالمجاز العقلي لأنّه إسناد الحكم أو معناه إلى ملابسسٍ لما هُوَ لَهُ . وجملة { قد فصّلنا الآيات } مستأنفة للتّسجيل والتّبليغ وقطع معذرة من لم يؤمنوا . واللاّم للتّعليل متعلّق بــ { فصّلنا } كقوله @ ويوم عَقرت للعذاري مطيّتي @@ أي فصّلنا لأجل قوم يعلمون . وتفصيل الآيات تقدّم عند قوله تعالى { وكذلك نفصّل الآيات } في هذه السّورة 55 . وجعل التّفصيل لقوم يعلمون تعريضاً بمَن لم ينتفعوا من هذا التّفصيل بأنّهم قوم لا يعلمون . والتّعريف في { الآيات } للاستغراق فيشمل آية خلق النّجوم وغيرها . والْعِلم في كلام العرب إدْراك الأشياء على ما هي عليه قال السّمَوْأل أو عبد الملك الحارثي @ فليس سواء عالم وجهول @@ وقال النّابغة @ ولَيْسَ جاهِلُ شيءٍ مثلَ مَنْ عَلِما @@ والّذين يعلمون هم الّذين انتفعوا بدلائل الآيات . وهم الّذين آمنوا بالله وحده ، كما قال تعالى { إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } الأنعام 99 .